التشبيهات في الرَّبيع والزهر
قال مازن بن عمرو:
وروضةُ تدمارٍ يروقُكَ حسنُها ... عليها رياطُ الوَشْي والحللُ الصُّفْرُ
ترى زَهراتِ النَّوْرِ فيها كأنَّها ... عيونٌ أجالَتْها بها الخرَّدُ الخفْرُ
وقال عبد الملك بن نظيف:
في ليلةٍ كمُلاءِ الوَشْي يَمْنَتُها ... تحت النبات وثاب الغُرِّ والجونِ
حُثَّ النّسيمُ عليها فانثنَتْ مرحاً ... مثلَ النّساءِ بتغريدٍ وتفنينِ
تظلُّ ذاتَ ابتسامٍ نحو لامحها ... عن نَوْرِها كابتسامِ الخرَّدِ العينِ
وقال أيضاً:
في روضةٍ رَشفَتْ لُعابَ غمامةٍ ... حتَّى ارتوتْ رشفَ الصَّدي الحرَّانِ
طلعتْ عليها الشَّمسُ فابتسمتْ لنا ... عن مثلِ نظْم الردِّ والمرجانِ
وتبسَّمتْ ريحُ الصَّبا فتعانقتْ ... أغصانُها كتعانقِ الولدانِ
وتقابلتْ أحداقُها فكأنها ... حدَقٌ شكت وجداً علَى الكتمانِ
وقال سليمان بن بطال المتلمس:
تبدَّتْ لنا الأرضُ مزهُوَّةً ... علينا ببهجةِ أثوابها
كانَّ أزاهرَها أكؤسٌ ... حَوتها أناملُ شُرَّابها
كأنَّ الغصونَ لها أذرعٌ ... تناولها بعضُ أصحابها
ترى خَمْرُها من رُضابِ الهَوَى ... لآلئَ في عينِ مرتابها
كأنَّ تعانُقها في الجنوبِ ... تعانُقَ خَوْدٍ لأترابها
كأنَّ ترقرقَ أجفانِها ... بُكاها لِفُرقة أحبابها
وقال يوسف بن هارون:
بكتِ السَّحابُ علَى الرِّياضِ فحسَّنَتْ ... منها غُروساً من دموعِ ثَكولِ
فكأنَّها والطلُّ يُشرقُ فوقها ... وشيءٌ يُحاكُ بلؤلؤٍ مفْصولِ
وقال أيضاً:
كأنَّ الرَّبيعَ الطَّلقَ أقبلْ مُهدياً ... لطلعةِ معشوقٍ إلى عينِ مُغْرم
تعجَّبْتُ من غَوْصِ الحيا في حشا الثَّرى ... فأفشى الَّذي فيه ولم يتكلم
كأنَّ الَّذي يَسْقي الثَّرى صوبُ قهوةٍ ... تنمُّ عليه بالضّميرِ المكتَّم
وقال أيضاً:
كأنَّ السَّحابَ الجَوْدَ أعرَسَ بالثَّرى ... فلاحَ شوارُ الأرضِ في كلِّ موضعِ
كأنَّ سرورَ الأرضِ حُزْنُ سحابها ... إذا ما بكتْ لاحتْ لنا في تصنّعِ
حبائبُ لا يسمحنَ إلاَّ بلحظةٍ ... وشمَّةِ أنفٍ كالحبيبِ الممنَّعِ
وقال إسماعيل بن إسحاق المعروف بالمنادي:
وحاكتُ لهُ الأنداءُ وشياً منمنماً ... كأن نظمُهُ من فاخرِ التّبر والدرِّ
تخالُ به نورَ الرَّبيع كواعباً ... عليها أكاليلُ اليواقيتِ فالشّذْر
إذا ما نسيمُ الرِّيح هبَّتْ بصحنه ... فمِلْنَ كما مالَ النّزيفُ من السُّكْر
يعانقُ بعضٌ بعضهنَّ تأوُّداً ... تعانقَ معشوقينِ كانا علَى هجْر
ويسقين دمعاً من عيونٍ كأنَّها ... عيونُ مهاً يُرْعدنَ من شدَّة الذّعْر
وقال عبيد الله بن يحيى بن إدريس الوزير:
يغازلُ عينَ الشَّمسِ حتَّى ترَى لها ... إليه حنينَ المستكينِ منَ الوجدِ
إذا اشتهتِ الأنفاسُ طيبَ نسيمهِ ... أتاها به من نافحات الصَّبا مُهدِ
فإنَّ مجالَ العينِ في رونقِ الضُّحَى ... عليه مجالُ اللّحظِ في زَهَرِ الخدِّ
إذا ما جَنَينا منه حكَى لنا ... تورُّدُهُ ما في الخدودِ من الوردِ
وقال أبو بكر ابن هذيل في قضبان الرِّياض وهبوب الرياح عليها:
هبَّتْ لنا ريحُ الصَّبا فتعانقتْ ... فذكرتُ جيدَك في العناقِ وجيدي
وإذا تألفَ في أعاليها النَّدَى ... مالتْ بأعناقٍ ولطْفِ قدودِ
وإذا التقتْ بالرِّيح لم تُبصرْ بها ... إلاَّ خدوداً تلتقي بخدودِ
فكأنَّ عُذرةَ بينها تحكي لنا ... صفة الخضوعِ وحالةَ المعمودِ
تيجانُها طلٌّ وفي أعناقِها ... منه نظامُ قلائدٍ وعقودِ
فترشُّني منه الصَّبا فكأنَّهُ ... من ماءِ وردٍ ليس للتصعيدِ
فكأنَّما فيها لطيمةُ عاطرٍ ... فتثيرُ ناراً في مجامر عودِ
شُغلتْ بها الأنداءُ حتَّى خلتُها ... يَبسطنَ أنديةً بها للصيدِ
وتجلببت زَهَراً فخلتُ بأنَّها ... فوقي نثائرُ نادفٍ مجهودِ
ثمَّ وصف ذباب الروض فقال:
وتمتَّعتْ بذبابها فرياضُها ... لبستْ كمثلِ المرتعِ المورودِ
غنَّى فأسمَعَني وغابَ فلم تَقَعْ ... عيني عليهِ في الكلا المنضودِ
فكأنَّ وَتْرَ المَوْصليِّ وَمَعْبدٍ ... بيديه فهو يصوغُ كلَّ نشيدِ
يرقة إلى ورقِ الكلا وكأنَّما ... حيزومهُ من لمَّةِ المولودِ
فكأنَّه متشهدٌ أوْ حاسبٌ ... فَنِكٌ بعقدِ حسابه المكدودِ
وقال عبيد الله بن إدريس الوزير:
قد حُلِّيتْ بأزاهرٍ مِن صَوغها ... نَوْرٌ حكين لآلئاً بنحورِ
وَأَرتْكَ أعينَ خرَّدٍ مرموقةٍ ... خجلتْ وأعينَ آنساتٍ حورِ
بيضاءَ ترفلُ في ملابسِ خُضرةٍ ... نُظمتْ بأحسنِ نَورها الممطورِ
فكأنَّها عذراءُ في إجلائها ... تُهدَى إلى جذِلٍ بها مسرورِ
وكأنَّما صبَغَ الحَيَا أثوابَهَا ... صبْغَ الحياءِ الخدَّ بالتَّخفيرِ
وقال يونس بن عبد الله صاحب الردّ:
جادتُ ثغورُ السَّحابِ بالرِّيق ... فأتبعتْ خُلَّباً بتصديقِ
فارتشفتهُ الرِّياضُ باكرةً ... ناظرةً نحوهُ بتحديقِ
كأنَّما الرَّوضُ إذْ تعلِّلُهُ ... بالرّيق صبٌّ خلا بمعشوقِ
تبسمُ عن نَوْرهٍ كما ابتسمتْ ... وامقةٌ بُشِّرتْ بموموقِ
وقال ابن عبد ربه:
وجهُ ربيعٍ أتاكَ باكرُهُ ... يرفلُ في حلْيه وفي حُلَلهْ
كأنَّ أيَّامهُ مُلبَّسةٌ ... أثوابَ غضِّ الشَّبابِ مُقتبلهْ
وقال علي بن أبي الحسين:
علامَ أغدُو خليّاً ... مِن شدوِ عودٍ وراحِ
وذا زمانُ ربيعٍ ... يدعو إلى الاصطباحِ
كأنَّما الرَّوضُ هَيْفا ... في حلَّةٍ ووشاحِ
تشيرُ غمزاً علينا ... بنرجسٍ وأقاحِ
تقولُ مَنْ عافَ وصلي ... فما له مِنْ فَلاحِ
فخُذْ فديتك كأساً ... ودعْ كلامَ اللّواحي
وقال أيضاً:
ألستَ ترَى حسنَ الرَّبيع وما أبدَى ... فقد أَذكرتنا زهرُ أيَّامه الخلْدا
تصدُّ عن الرَّوضِ الأَريض نزاهةً ... كأنَّكَ قد آثرتَ من بيننا الزُّهدا
تأمَّلْ ترَى قُضبَ الزُّمُرُّدِ فوقها ... يواقيتُ حمرٌ نحو أقداحنا تُهدَى
وقد نثرتْ فيه السَّحائبُ طلّها ... كما رشَّ ماءُ الوردِ بالعَنَم الخدا
وقال أيضاً:
قد وطئنا دَرانِكَ الرَّوض حتَّى ... بلِيتْ بالصَّبوح بعد الغَبوقِ
وكأنَّ النوّار يُشرقُ حُسناً ... فصرفناهُ في عدادِ الخلوقِ
وكأنَّ الرِّياض جسمُ حبيبٍ ... كادَ يفنَى بالضّمِّ والتَّعنيقِ
وقال مروان بن عبد الرحمن:
ربَّ يوم قد ظلَّ فيه نديمي ... يتغنى بروضة غناءَ
وكأنَّ الرِّياضَ حسناً حبيبٌ ... عاطرٌ سامَهُ المحبُّ لقاءَ
ضربتْ سحبُهُ رواقاً علينا ... وارتدينا من الغمامِ رداءَ
قد تحلى بزهرِهِ وتبدَّى ... ماثلاً في غلالةٍ خضراءَ
فأرتنا الرِّياضُ منه نجوماً ... وأرانا سنا العُقار ذَكاءَ
فكأنَّا بها شربنا سناها ... وحللنا بما حللنا السَّماءَ
وأنشد عبادة لأبيه في روضة:
وتمايلتْ أغصانُها ميَّادةً ... مثلَ انميادِ الخود حُلَّ خمارُها
وتضوَّعتْ ريحُ الجنوبِ خلالها ... فحكى لك المسكَ الذكيَّ بهارها
وكأنَّ شدوَ ذُبابها وغناؤهُ ... عزفُ القيانِ تناوَحَتْ أوتارُها
وقال يحيى بن هذيل:
بمحلةٍ خضراءَ أفْرَغَ حليها الذ ... هبيَّ صاغةُ قطْرِها المسكوبِ
بَسقَتْ علَى شرفِ البلاد كأنَّما ... قامتْ إلى ما تحتها بخطيبِ
والرَّوضُ قد ألفَ النَّدى فكأنَّه ... عينٌ توقَّفَ دمعُها لرقيب
متخالفُ الألوانِ يجمعَ شمْلَه ... ريحانِ ريحُ صبا وريح جنوبِ
فكأنَّما الصَّفراءُ إذْ تومي إلى ال ... بيضاءِ صبٌّ جانحٌ لحبيبِ
وقال المهند:
وكأنَّ السَّماءَ تنشرُ للأر ... ضِ وتُبدي طرائف الأنماطِ
وكأنَّ الملوكَ أهْدَوا إليها ... غِبَّ إروائها نفيسَ الرِّياطِ
وكأنَّ الجواهرَ انتجعتْها ... رغبةً عن بواطنِ الأسفاطِ
في جميمٍ كأنَّه جمَمٌ بي ... نَ جِعادٍ ممشوطةٍ وسِباطِ
فلها أسطرٌ من الرَّوضِ فاتتْ ... باعتدالٍ أناملَ الخطَّاطِ
وحروفٌ قد نقَّطَ الزَّهرُ منها ... كلَّ مستعجمٍ علَى النقَّاطِ
وقال محمد بن شخيص في المستنصر بالله:
أظنُّ جنانَ الخلدِ جُنَّتْ صبابةً ... إليه فدارتْ حين طالَ انتظارُها
إذا ابتهلَ الحُجَّاجُ بالشِّعبِ من منًى ... وقد حانَ عن رميِ الجمارِ انحدارها
حكى هَزَجَ الأطيارِ ليلاً عجيجُها ... ومستترَ النّوار صُبحاً جمارُها