إعلان

الجمعة، 28 أكتوبر 2016

إني ذكرتك بالزهراء مشتاقاً

ولإبن زيدون:


إني ذكرتك بالزهراء مشتاقاً ...
      والأفق طلقٌ ووجه الروض قد راقا

ولنسيم إعتلالٌ في أصائله ...
      كأنما رقّ لي فأعتل إشفاقا

والنهر عن مائه الفضيّ مبتسمٌ ... 
      كما حللتَ عن اللبات أطواقا

يومٌ كأيام لذاتٍ لنا إنصرمت ...
      بتنا لها حين نام الدهر سرَّاقا

نلهو بما يستميل العين من زَهر ...
      جال الندى فيه حتى مال أعناقا

كأن أعينه إذ عاينت أرقى ...
      بكت لما بي فجال الدمع رقراقا

وردٌ تألق في ضاحي متابته ...
      فازداد منه الضحى في العين إشراقا

سرى ينافحه نيلوفرٌ عبقٌ ...
      وسَنان نبّه منه الصبح أحداقا

كلٌ يهج لنا ذكرى تشوقنا ...
      إليك لم يعدُ عنا الصدر إن ضاقا

لو كان وفيّ المنى في جمعنا بكم ...
      لكان من أكرم الأيام أخلاقا

لا سكَّن الله قلباً عن ذكركم ...
      فلم يطر بجناح الشوق خقاقا

و شاء حملي نسيم الريح حين هفا ...
      رافاكم بفتىً أضناه ما لاقى

كان التجائي بمحض الود مذ زمنِ ...
      ميدان أنسٍ جربنا فيه إطلاقا

الآن أحمد ما كنا لعهدكمُ ...
      سلوتُم وبقينا نحن عشاقا

ولادة بنت المستكفي


ولادة بنت المستكفي بالله؛ أمير المؤمنين، محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بت الناصر عبد الرحمن بن محمد المرواني، من بني أمية بأندلسي؛ أديبة شاعرة؛ جزلة القول، حسنة الشعر؛ وكانت تخالط الشعراء وتساجل الأدباء، وتفوق البرعاء. 

من شعرها:

ترقَّب إذا جنَّ الظَّلامُ زِيارتي ...
                 فإني رأيتُ الّليلَ أكَتَم للّسِّر

وبِي مِنك ما لو كان بالبَدْر ما بَدا ...
           وبالليل ما أدْجَى وبالنَّجم لم يَسْرِ

ودَّع الصَّبْر محٌّب ودَّعَك

ولإبن زيدون:

ودَّع الصَّبْر محٌّب ودَّعَك ...
          ذائِعاً من سرّه ما استودَعكْ

يقَرُع الِّسَّن على أن لَم يكُن ...
          زادَ في تِلك الخُطَا إذ شَيَّعَك

يا أخَا البدر سَنَاءً وسَنًى ...
          حَفِظَ الله زَماناً أطلَعك

إن يطُل بَعدَك ليَلِى فلَكَم ...
          بِتُّ أشكُو قِصَرَ الَّليلِ مَعَك

ابن زيدون - أضخى التنائي بديلاً من تدانينا

أبو الوليد بن زيدون المخزومي:

أحمد بن عبد الله بن أحمد فمن قصائده التي ضربت في الإبداع بسهم، وطلعت في كل خاطر ووهم، ونزعت منزعاً قصر عنه حبيب وابن الجهم:

أضحى التنائي بَديلاً من تَدانينا
وناب عن طِيب لُقْيانا تَجافينَا

بِتْمُ وبِنِّا فما ابتلَّت جوانحُنا
شَوْقاُ إليكم ولا جَفَّت مآقينا

تكاد حين تُناجيكم ضمائُرنا
يَقْضي علينا الأسَى لولا تأسِّينا

حالتْ لفقدكُمُ أيّامُنا فغَدتْ 
سُوداً وكانتْ بكُم بيضاً لَيالينا

إذ جانبُ العَيْشِ طَلْقٌ من تألِّفنا 
ومَوْرد اللَّهو صافٍ من تَصافِينا

وإذ هَصَرنا غُصون الأنس دانيةً 
قُطوفُها فجنينَا منه ماشِينَا

لِيُسق عهدُكُم عهدُ السرور فما 
كُنتم لأرواحِنا إلاّ رياحِينا

مَن مُبْلغُ المُلبِثينَ بانتزاحِهمُ 
حُزناً مع الدّهرِ لا يَبلى ويُبْلينا

أنّ الزّمان الذي ما زال يُضحكنا 
أنساً بقُربهمُ قد عادَ يُبكينا

غيظَ العِدَا من تَساقينا الهوَى فدعَوْا 
بأنْ نَغَصَّ فقالَ الدهرُ آمينا

قصيدة للمعتمد ابن عباد في مدح يوسف بن تاشفين

هذه قصيدة للملك المعتمد ابن عباد في مدح أمير المسلمين وملك المغرب آنذاك يوسف بن تاشفين -رحمه الله- بعد انتصاره على ألفونسو السادس والقشتاليين (الإسبان) في معركة لالزلاقة وسميت بيوم عروبة.

ويوم العروبة ذدت العدا
نصرت الهدى وابيت الفرارا 

ثبت هناك وان القلوب
بين الضلوع لتأبى القرارا 

ولولاك يا يوسف المتقي
رأينا الجزيرة للكفر دارا 

رأينا السيوف ضحى كالنجوم
وكالليل ذاك الغبار المثارا 

فلله درك في هولة لقد
زاد بأسك فيه اشتهارا 

تزيد اجتراء اذا ما الرماح
عند التناجز زدن اشتجارا 

كانك تحسبها نرجسا
تدير الذماء عليها عقارا 

ٍتريك الرماح القدود انثناء
وتجلو الصفائح الخدود احمرارا 

اذا نار حربك ضرمتها
حسبنا الاسنة فيها شرارا 

ستلقى فعالك يوم الحساب
تنثر بالمسك منك انتثارا 

وللشهداء ثناء عليك
بحسن مقامك ذاك النهارا 

في وصف ترحيل المعتمد عن إشبيلية

وقد قال شاعر المعتمد ابن اللبانة في وصف ترحيل المعتمد عن إشبيلية:

حان الوداعُ فضجّت كل صارخةٍ
            وصارخٍ من مُفداة ومن فادِي

سارت سفائنُهم والنوْحُ يتبعها
            كأنها إبل يحدو بها الحادي

كم سال في الماء من دمعٍ وكم حملت
            تلك القطائعُ من قطعاتِ أكبادِ

الثلاثاء، 4 أكتوبر 2016

الوردُ أحسنُ ما رأت عين وأزكى

 جهْور بن أبي عبده أبو الحزم الوزير، قال في وصف الورد:

الوردُ أحسنُ ما رأت عين وأزكى...
       ما سقى ماء السحابِ الجائدُ

خضَعتْ نواوير الرياض لحسنه...
      فتدللت تنقاد وهي شواردُ

وإذا تبدّى الورد في أغصانه...
      ذلوا فَذَا مَيْتٌ وهذا حاسد

وإذا أتى وفد الربيع مبشراً...
      بطلوع صفحته فنعمَ الوَافِدُ

ليس المبشِّر كالمبشَّر باسمه...
      خبر عليه من النُّبوة شاهدُ

وإذا تعرّى الوردُ من أوراقه...
      بقيتْ عوارفه فهن خوالدُ

للروض حسن فَقِف عليه

سعيد بن فرج اشتهر بوصف الطبيعة، ومن شعره قوله:

للروض حسن فَقِف عليه...
        واشرف عنان الهوى إليه

أما ترى نرجساً نضيراً...
        يومي إلينا بمقلتيه

نشرتُ حبي على رفاه...
        وصُفْرتي فوق وجنتيه

فهو أنا تارة وألفي...
        أخرى وفاقاً بحالتيه

أرى المهرجان قد استَبشَرا

عبد الرحمن بن عثمان الأصمّ، شاعر من شعراء بني أمية، ومن شعره قوله:

أرى المهرجان قد استَبشَرا...       
       غَداةَ بكى المزن واستعْبرا

وسرْبلت الأرض أفواهها...
       وجُلّلتْ السندس الأخضرا

وهزّ الرياح صنابيرها...
       فضوّعت المسكَ والعنْبَرا

تهادي به الناس ألطافهم...
       وساما المقل به المكْثِرا

ولو كنت أهدي إلى موئلي...
       عقائلَ ما دب فوق الثرا

وقارنت أيسر آلائه...
       بها لاحترقت له الأكثرا

بعثت بشكر حكى سكَّرا...
       وإن خالف المنظرُ المخبرا

بشين كسين بلا عجمة...
       وكافٍ ككافٍ وراءٍ كرا
========================

وطائعةِ الوصال عدوتُ عنها


من شعر ابن فرج الجيّاني في الحب العفيف قوله:

وطائعةِ الوصال عدوتُ عنها...
       وما الشّيطان فيها بالمطاع

بدتْ في اللّيل سافرةً فباتت...
       دياجى الليل سافرةَ القِناع

وما من لحظة إلا وفيها...
       إلى فِتَن القلوبِ لها دَواع

فملكت النهى جمحات شوقي...
       لأجريَ في العفاف على طباعي

وبتّ بها مبيتَ السِّقب يظمأ...
       فيمنعه الكعَامُ من الرضاع

كذاك الرّوض ما فيه لمِثلي...
       سوى نظر وشمٍّ من متاع

ولستُ من السَّوائم مهملاتٍ...
       فاتخذُ الرياض من المراعي


حسّانة التميمية

في عصر الإمارة برزت شخصية المرأة الأندلسية، بحيث
ظهرت النساء الشواعر، ومن بينهن الشاعرة حسّانة التميمية بنت أبي المخشّى التميمي الألبيري.
تأدبت على يد أبيها، ولما مات لجأت إلى الحكم بن هشام أمير الأندلس، فكتبتْ إليه تطلب عطفه، ومما كتبتْ قولها:

إني إليكَ أبا العاصي موجَعة...
      أبا المخشّى سَقَتْهُ الواكفَ الدّيَم

قد كنتُ أرتعُ في نعماهُ عاكفةً...
      فاليومَ آوي إلى نعماكَ يا حكمُ

أنتَ الإمام الذي أنقاد الأنامُ له...
      وملّكَتْهُ مقاليدَ النّهَى الأممُ

لا شيء أخشى إذا ما كنتَ لي...
      آوي إليه ولا يعرونِ يَ العَدَمُ

لا زِلْتَ بالعزّة القعساء مرتدياً...
      حتى تذلّ إليك العُرْبُ والعَجَمُ

فكم من أسيرٍ كان في القيدِ مُوثقاً


كان سعيد بن جودي فارسا متكاملا لاتسامه بالحب
والفروسية معا، قبل أي شاعر تروبادوري، وهو أول من قال
الشعر في "الحب البعيد" أو "الحبيبة المجهولة" كما يصطلح
عليه عند الغربيين. أسره عمر بن حفصون قبل أن يتولّى رئاسة
العرب في ألبيرة، وفي أسره قال:

خليليّ صبراً راحةُ الحُرِّ في الصبرِ...
     ولا شيءَ مثلُ الصبرِ في الكَرْبِ للحُرِّ

فكم من أسيرٍ كان في القيدِ مُوثقاً...
     فأطلقَهُ الرحمنُ من حلَق الأسْرِ

لئن كنتُ مأخوذاً أسيراً وكنتُما...
     حَمتنيَ أطرافُ الرُّدَينيَّةِ السُمْرِ

فقد علمَ الفتيانُ أني كميُّها...
     وفارسُها المقدامُ في ساعةِ الذعرِ

يا مَن يراوغهُ الأجلْ


يا مَن يراوغهُ الأجلْ...
       حتى ما يلهبكَ الأمَلْ

حتى ما لا تخشى الرّدَى...
       وكأنه بكَ قد نَزلْ

أغفلتَ عن طلب النجاةِ...
       ولا نجاةَ لِمَنْ غَفَلْ

هيهاتَ يَشغلك المنى...
       ولَمَا يدومُ لكَ الشّغَلْ

فكأنّ يومكَ لمْ يكنْ...
       وكأنّ نعْيكَ قدْ نزلْ

اِجعل لنا منك حظاً أيها القمرُ


قال عبد الله بن عبد العزيز القرشي المعروف بالحجر، وهو من أولاد الحكم الربضي كان أديبا وشاعرا:

اِجعل لنا منك حظاً أيها القمرُ...
          فإنما حظّنا من وجهكَ النظرُ

رآكَ ناس فقالوا إن ذا قمرٌ...
          فقلت كفّوا فعندي فيهما خبَرُ

البدرُ ليلةَ نِصفِ الشهر بهجته...
          إلى الصباح وهذا دهرهُ قمرُ

والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت...
          إلاّ وجاءتْ إليك الشمسُ تعتذرُ

يُغْصبنَني في الهوى عزّي وسلطاني


قال الحكم بن هشام في الغزل:

قُضْبٌ من البان ماست فوق كُثبانِ...
         ولّين عنّي وقد أزمعن هجراني

ناشدتُّهنّ بحقّي فاعتزمْنَ على ال...
         عِصْيان لما خلا منهنّ عصياني

ملكْنني ملِكًا ذلّتْ عزائمُهُ...
         في الحب ذلَّ أسيرٍ مُوثق عاني

من لي بمغتصبات الروح من بدني...
         يُغْصبنَني في الهوى عزّي وسلطاني

رأيتُ صدوع الأرض بالسيف راقعا

من الأمراء الذين نظَموا الشعر، الحكم بن هشام حفيد عبد
الرحمن الداخل، الذي يلقب بالربضي لقضائه على ثورة الربض،

وكان شاعرا وفارسا.
قال من قصيدة بعد أن أخمد ثورة أهل الربض:

رأيتُ صدوع الأرض بالسيف راقعا...
          وقدْماً لأمت الشعب مذ كنت يافعا

فسائلْ ثغوري هل بها اليوم ثغرةٌ...
          أبادرها مستنضي السيف دارعا

وشافهْ مع الأرض الفضاء جماجما...
          كأقحاف شرْيان الهبيد لوامعا

تُنبِّئْك أني لم أكن في قراعهم...
          بوانٍ وقدماً كنت بالسيف قارعا

وأني إذ حادوا جزاعاً من الردى...
          فلم أكُ ذا حيد من الموت جازعا

حميتُ ذماري فانتهبت ذمارهم...
          ومَنْ لا يحامي ظل خزيان ضارعا

أبو الخطار الكلبي


أبو الخطّار حُسام بن ضرار الكلبي، شاعر فارس من أشراف العرب، ولِيّ الأندلس بعد مقتل أميرها عبد الملك بن قطن، وعمل على إطفاء نار الفتنة، وزرْع المحبة بين لناس على مختلف أجناسهم، بحيث أنقذ حياة ألف بربريّ كان ثعلبة بن سلامة قد أسرهم وأبرزهم إلى الناس ليقتلهم. قال من شعره:

فليتَ ابن جَوّاس يخبَّر أنني...
        سعيتُ به سعْي امرئ غيرَ غافلِ

قتلتُ به تسعين يحسِبُ أنهم...
        جذوعُ نخيلٍ صُرِّعت بالمسائلِ

ولو كانتْ الموت تُباع اشتريتُه...
        بكفي وما استثنيتُ منها أناملي

وقد عاتب أبو الخطّار المروانيين على تشجيعهم للنزعة
القبلية بين الأندلسيين، ومن شعره أيضا قصيدة يقول فيها:

أفادت بنو مروان قيساً دماءنا...
        وفي الله إن لم يَعدلوا حكم عدلُ

كأنكمُ لم تشهدوا مرج راهطٍ...
        ولم تعلَموا من كان ثم له الفضلُ

وقيناكم حرّ القنا بنفوسنا...
        وليس لكم خيل سِوانا ولا رَجل

فلما رأيتم واقد الحرب قد خبا...
        وطابَ لكم فيها المشاربُ والأكلُ

تَغافلتمُ عنّا كأن لم تكُن لكم...
        صديقاً وأنتم ما علمْتُ لها فعلُ

أخرشعر ابن عبد ربه

أصيب ابن عبد ربه الأندلسي بمرض الفالج في آخر عمره، فذاق الألم، وهو طريح الفراش، فكانآخر شعر قاله فيما قيل:


كِلاْنِيْ لِمَا بِي عاذِلَ يَّكَفانِيْ...
     طَويتُ زمَانِي بُرهةً وطَوَانِيْ

بَليتُ وَأبْلَتْنيا للَّيالِي بِكَرِّهَا...
     وصَرْفانِ لِلأيامِ مُعْتَوِرَاْنِ

وَمَالِيَ لا أبكِي لِسَبعينَ حجَّةً...
     وَعَشْرٍ أتَتْ مِن بَعْدِها سَنتانِ؟

فلا تسألانِيْ عن تبارِيحِ عِلَّتِيْ...
     ودُوْنَكُمَا مِنِّي الذي تَرَيَاْنِيْ

وإنِّيْ بِحَمْدِ اللهِ رَاجٍلِ فضلِهِ...
     وَلِي مِن ضَمَانِ اللهِ خَيْرُ ضَمَانِ

وَلسْتُ أُبالِيْ عنْ تَبارِيْحِ عِلَّتِيْ...
     إذا كَانَ عَقلِيْ بَاقِياً ولِسَانِيْ

هُمَا مَا هُمَا في كُلِّ حَالٍ تُلِمُّ بِيْ...
     فَذَاْ صَارِمِيْ فِيها، وَذا كَسِنَانِيْ

من ممحصات ابن عبد ربه


وردت قصائد ابن عبد ربه الأندلسي في كتب الأدب،
وأورد هو قسماً منها في العقد الفريد، وقد جمعت تلك الأشعار في ديوان حديثاً، ونشرته دارالكتاب العربي في بيروت سنة 1414 هـ/ 1993م، ويلاحظ أن لأبي عمر أشعار كثيرة، سَمَّاها الْمُمَحِّصَات، وذلك أنه نقضَ كُلَّ قطعة قالَها في الصِّبا والغزل، 
بقطعة في المواعظ والزُّهد بعدما أقلع عن صبوته، 
وأخلص لله في توبته، فاعتبر أشعاره التي قالها في الغزل واللهو، وعمل الْمُمَحِّصَات على أعاريضها وقوافيها في الزهد، 
ومنها القطعة التي قالها أيام شبابه في بعض مَن تألَّفه 
حينما أزمع على الرحيل في غداة عيَّنَها، فأتت السماء في تلك الغداة بمطرٍ جود، منعتْه من الرحيل، فكتب إليه أبو عمر ابن عبد ربه:

هَلاَّ ابتكَرْتَ لِبَيْنٍ أنتَ مُبتكِرُ...
         هَيهاتَ يأبى عليكَ اللهُ وَالقدَرُ

مازِلْتُ أبكِي حِذَاْرَ الْبَينِ مُلْتَهِفاً...
         حَتَّىْ رَثا لِيَ فِيكَ الرِّيحُ وَالْمَطرُ

يا بَرْدَهُ مِنْ حَيا مُزْنٍ على كَبِدٍ...
         نِيرانُها بِغلِيلِ الشّوقِ تَسْتَعِرُ

آلَيْتُ ألاَّ أرَىْ شَمْساً وَلا قمَراً...
         حَتَّىْ أرَاكَ، فأنتَ الشَّمْسُ وَالقمَرُ


وبعدما تاب مَحَّصَها بقطعة شعرية جاء فيها:

يا قادراً لَيْسَ يَعْفُوْ حِين يَقتدِرُ...
         وَلا يُقَضَّى لهُ مِن عيشِهِ وَطَرُ

عايِنْ بقلبكَ إنَّ العَيْنَ غافلةٌ...
         عَنِ الْحَقِيقةِ، وَاعْلَمْ أَنَّها سَقرُ

سَوداءه تفرُ مِن غوظٍ إذا سُعِرَتْ...
         لِلظَّالِمينَ فمَا تُبقِيْ ولا تَذرُ

إِنَّ الذينَ اشْتَرَوْا دُنيا بِآخِرَةٍ...
         وَشِقْوةً بِنَعِيْمٍ سَاءَ ما تَجَرُوا

يا مَنْ تلَهَّىْ، وشيبُ الرَّأسِ يَنْدُبُهُ...
         ماذا الذي بَعْدَ شيبِ الرّأسِ تَنْتَظِرُ؟

لَوْ لَمْ يَكُنْ لَكَ غَيْرَ الْمَوتِ مَوْعِظةٌ...
         لَكانَ فِيهِ عَنِ اللَّذاتِ مُزْدَجَرُ

أنتَ الْمَقولُ لَهُ ما قلْتُ مُبتدِئاً:...
         هَلاّ ابتكَرْتَ لِبَيْنٍ أَنْتَ مُبْتكِرُ؟

ومن ممحِّصاته قوله:

أَلا إنِّمَا الدُّنيا نَضارَةُ أيْكَةٍ...
         إذا اخْضَرَّ منها جانِبُ جَفَّ جانِبُ

هِيَ الدَّارُ ما الآمالُ إلاّ فَجَاْئِعٌ...
         عليها، ولا اللَّذَّاتُ إلاّ مَصائِبُ

وَكَمْ أسْخَنَتْ بالأمس عَيناً قريرَةً...
         وقرَّت عيوناً دَمْعُها الآنَ سَاكِبُ

فلا تَكْتَحِلْ عَيناكَ مِنْها بِعَبْرَةٍ...
         على ذاهِبٍ مِنها فإنّكَ ذاهِبُ

يا ذا الذي خَطَّ الجمالُ بِخدِّهِ


يا ذا الذي خَطَّ الجمالُ بِخدِّهِ...
                 خَطينِ هاجَا لَوْعَةً وبَلابِلا

ما صَحَّ عِندي أنَّ لَحْظَكَ صَارِمٌ...
                حَتَّى لَبِسْتَ بِعارِضَيْكَ حَمَائِلا

ابن عبد ربه