إعلان

الثلاثاء، 4 أكتوبر 2016

من ممحصات ابن عبد ربه


وردت قصائد ابن عبد ربه الأندلسي في كتب الأدب،
وأورد هو قسماً منها في العقد الفريد، وقد جمعت تلك الأشعار في ديوان حديثاً، ونشرته دارالكتاب العربي في بيروت سنة 1414 هـ/ 1993م، ويلاحظ أن لأبي عمر أشعار كثيرة، سَمَّاها الْمُمَحِّصَات، وذلك أنه نقضَ كُلَّ قطعة قالَها في الصِّبا والغزل، 
بقطعة في المواعظ والزُّهد بعدما أقلع عن صبوته، 
وأخلص لله في توبته، فاعتبر أشعاره التي قالها في الغزل واللهو، وعمل الْمُمَحِّصَات على أعاريضها وقوافيها في الزهد، 
ومنها القطعة التي قالها أيام شبابه في بعض مَن تألَّفه 
حينما أزمع على الرحيل في غداة عيَّنَها، فأتت السماء في تلك الغداة بمطرٍ جود، منعتْه من الرحيل، فكتب إليه أبو عمر ابن عبد ربه:

هَلاَّ ابتكَرْتَ لِبَيْنٍ أنتَ مُبتكِرُ...
         هَيهاتَ يأبى عليكَ اللهُ وَالقدَرُ

مازِلْتُ أبكِي حِذَاْرَ الْبَينِ مُلْتَهِفاً...
         حَتَّىْ رَثا لِيَ فِيكَ الرِّيحُ وَالْمَطرُ

يا بَرْدَهُ مِنْ حَيا مُزْنٍ على كَبِدٍ...
         نِيرانُها بِغلِيلِ الشّوقِ تَسْتَعِرُ

آلَيْتُ ألاَّ أرَىْ شَمْساً وَلا قمَراً...
         حَتَّىْ أرَاكَ، فأنتَ الشَّمْسُ وَالقمَرُ


وبعدما تاب مَحَّصَها بقطعة شعرية جاء فيها:

يا قادراً لَيْسَ يَعْفُوْ حِين يَقتدِرُ...
         وَلا يُقَضَّى لهُ مِن عيشِهِ وَطَرُ

عايِنْ بقلبكَ إنَّ العَيْنَ غافلةٌ...
         عَنِ الْحَقِيقةِ، وَاعْلَمْ أَنَّها سَقرُ

سَوداءه تفرُ مِن غوظٍ إذا سُعِرَتْ...
         لِلظَّالِمينَ فمَا تُبقِيْ ولا تَذرُ

إِنَّ الذينَ اشْتَرَوْا دُنيا بِآخِرَةٍ...
         وَشِقْوةً بِنَعِيْمٍ سَاءَ ما تَجَرُوا

يا مَنْ تلَهَّىْ، وشيبُ الرَّأسِ يَنْدُبُهُ...
         ماذا الذي بَعْدَ شيبِ الرّأسِ تَنْتَظِرُ؟

لَوْ لَمْ يَكُنْ لَكَ غَيْرَ الْمَوتِ مَوْعِظةٌ...
         لَكانَ فِيهِ عَنِ اللَّذاتِ مُزْدَجَرُ

أنتَ الْمَقولُ لَهُ ما قلْتُ مُبتدِئاً:...
         هَلاّ ابتكَرْتَ لِبَيْنٍ أَنْتَ مُبْتكِرُ؟

ومن ممحِّصاته قوله:

أَلا إنِّمَا الدُّنيا نَضارَةُ أيْكَةٍ...
         إذا اخْضَرَّ منها جانِبُ جَفَّ جانِبُ

هِيَ الدَّارُ ما الآمالُ إلاّ فَجَاْئِعٌ...
         عليها، ولا اللَّذَّاتُ إلاّ مَصائِبُ

وَكَمْ أسْخَنَتْ بالأمس عَيناً قريرَةً...
         وقرَّت عيوناً دَمْعُها الآنَ سَاكِبُ

فلا تَكْتَحِلْ عَيناكَ مِنْها بِعَبْرَةٍ...
         على ذاهِبٍ مِنها فإنّكَ ذاهِبُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق