إعلان

الاثنين، 30 أغسطس 2021

التشبيهات في الشّعر وسواده وشقرته

التشبيهات في الشّعر وسواده وشقرته


قال يوسف بن هارون:

وليلةِ لمةٍ تبقى العيونُ ال ... روامقُ من دُجاها في ضلالِ

وكنتُ عن اللَّيالي غير راضٍ ... بحالٍ إذا جَنَتْ تغيير حالي

فلما أنْ رأيتُ اللَّيلَ شِبهاً ... للمَّتِهِ رضيتُ عنِ اللَّيالي


وقال أيضاً:

وجدتُكَ دهراً ثانياً شعرُكَ الدُّجَى ... ووجهكَ إصباح وهجركَ كالصرْفِ

فإنْ أبْغِ صبحاً كانَ خدُّكَ مُصبحي ... وأنْ أبغِ ليلاً بتّ في شعركَ الوحْفِ

 

وقال عبادة:

كلَّما مسْتِ في الرَّداءِ توارتْ ... بقناعٍ غزالةُ الأبراجِ

أوْ تمشَّت بحاسرِ الرَّأسِ أوفى ... مَلك للملاحِ منْ غير تاجِ

وكأنَّ التفافَ شعرِكِ جعداً ... فوقَ وجهٍ يضيءُ ضوء السّراجِ

طَبق مُكفأٌ من التِّبرِ محضاً ... تحتَهُ للعيونِ لعبَةُ عاجِ


وقال علي بن أبي الحسين:

أَرَى صباحاً منيراً فوقَ جبهتِهِ ... ليل كأنَّ دجاهُ حالكُ السَّبَجِ

وروضةً طلعت فيها لأعيُننا ... ورد تفتَّحَ بين السَّوسنِ الأرِجِ


وقال سليمان بن بطال المتلمّس الفقيه:

وشادنين ألمَّا بي علَى مقةٍ ... تنازعا الحسنَ في غاياتِ مُستبقِ

كأنَّ لمَّةَ ذا منْ نرجسٍ خُلقتْ ... علَى بهارٍ وذا مسك علَى وَرَقِ

وحكَّما الصبَّ في التَّفضيلِ بينهما ... ولم يخافا عليه رشوَةَ الحَدَقِ

فقامَ يدلي إليه الرِّيم حجّته ... مبيناً بلسانٍ من منطلقِ

فقال وجهيَ بدرٌ يستضاءُ بهِ ... ولونُ شعريَ مقطوع من الغَسَقِ

وكحلُ عينيَّ سحر للنُّهى وكذا ... ك الكحلُ أحسنُ ما يُعزى إلى الحَدَقِ

فقال صاحبه أحسنتَ وصفَك لكن ... فاستمع لمقالٍ فيَّ مُتَّفقِ

أنا علَى أُفقي شمسُ النَّهار ولم ... تغرُب وشُقرةُ شعري شُقرةُ الشَّفقِ

والشَّمسُ لولا سناها لم يكنْ شفق ... يبدو إذا ما ألمَّ الليلُ بالأُفقِ

فضلَّ ما عِبتَ في عينيَّ من زَرَقٍ ... إنَّ الأسنَّةَ قد تُعزَى إلى الزَّرَقِ

قضيتُ للمةِ الشَّقراءِ حينَ حكتْ ... لوني كذا حُبُّهُ يقضي علَى خلقي

فقامَ ذو اللمَّةِ السَّوداءِ ترشُقُني ... سهامُ أجفانِهِ من كثرةِ الحَنَقِ

وقال جُرْتَ فقلتُ الجورُ منك على ... قلبي ولي شاهد مِن دمعيَ الغَدِقِ

فقلتُ عفوكَ إذْ أصبحتُ متَّماً ... فقالَ دونكَ هذا الحبلَ فاختنِقِ


وقال يوسف بن هارون:

ومحيِّرِ اللحظاتِ تحسبُهُ لحي ... رتهنَّ مِن سِنةِ المنام مُنبَّها

وبياضُهُ في شقرةٍ فتقارنا ... حسناً بلا ضدٍّ فكانا أشبَهَا

كسلاسلِ الذَّهبِ المورَّسِ فوق وج ... هٍ من لجينٍ بالملاحةِ قد زَهَا

وكذا الصَّباحُ بياضُهُ في شقرةٍ ... فكأنَّهُ بهما غَدَا متشبِّها

وإذا بَدَا التَّوريدُ في وَجَناتِهِ ... فكأنَّه صرْفُ المُدامةِ في المَهَا


وقال أيضاً:

فأبديت وجهاً تحت ترجيل لمة ... فكان كبدر تحت ليل مرجل

ومثله بالبدر أيضاً حقيقةً ... بغالية صرفٍ أدقُّ ممثل

عذاران خطا فوق وجهك زينةً ... عليه وحباً للعذار المعجل

وقد طر منها شاربٌ فوق مبتسمٍ ... كغصن عقيقٍ باللآلي مكلل

التشبيهات في الحسن

 التشبيهات في الحسن


قال يحيى بن الحكم الغزال:

فارعةُ الجسمِ هضيمُ الحَشَا ... كالمُهرةِ الضَّامِرِ لم تُركبِ

أوْ درَّةٍ استُخرجتْ ... لم تُمتهنْ بعدُ ولم تُثقبِ

مُشرَبَةُ اللَّونِ مُتُوعَ الضُّحى ... صفراءُ بالآصالِ كالمُذهبِ


وقال أحمد بن عبد ربه:

تريكَةُ أُدْحِيٍّ ودرَّةُ غائصِ ... ودُميَةُ محرابٍ وظبيةُ قانِصِ

هو البدرُ إلاَّ أنَّني كلَّ ليلةٍ ... أَرَى البدرَ منقوصاً وليسَ بناقِصِ


وقال يوسف بن هارون:

قد وضَعَ الكفَّ علَى خدَّهِ ... مفكِّراً مِن غيرِ أشجانِ

كأنَّما يسترُ عن ناظري ... بنانُهُ ورداً بسَوْسانِ

كأنَّما أطرافُهُ فضَّةٌ ... صيغَ لها أظفارُ عِقيانِ


وقال ابن عبد ربه:

رَشَأ سجَدَ الجمالُ لوجنتيه ... كما سجَدَ النَّصارى للصليبِ

عليه من محاسنِهِ شهود ... تؤدِّيها العيونُ إلى القلوبِ

يلاعبُ ظلَّهُ طرباً ولهواً ... كما لعبَ الشّمالُ مع الجنوبِ


وقال سعيد بن العاصي:

وكأنَّما لبسَ الكواكبَ حلَّةً ... وأقلَّ تاجَ الحُسنِ فوقَ المفرِقِ

في عارِضيهِ بعنبرٍ مكتوبة ... لامانِ إلاَّ أنَّها لم تُمشقِ

وُصلتْ براءٍ من عبيرٍ قد علتْ ... شفَتَيْ عقيقٍ تحته درٌّ نَقي

وكأنَّما أعلاهُ فوق جبينه ... ليلٌ أنافَ علَى صباحٍ مُشرقِ


وقال أحمد بن عبد الملك:

معشوقةُ الحركاتِ ينفثُ طرفُها ... سحراً به تُعطي الحياةَ وتمنعُ

كالشَّمسِ طالعةً ولم يكُ قبلَهَا ... للشَّمسِ من فَلَكِ القراطِقِ مطلعُ


وقال ابن عبد ربه:

أبيت تحت سماء اللهو معتنقاً ... شمس الظهيرة في ثوب من الغسق

بيضاءُ يحمرُّ خدَّاها إذا خجلتْ ... كما جرى ذهبٌ في صفحتي ورَقِ


وقال علي بن أحمد:

بيض كبيضِ الهندِ في أفعالها ... فلذاكَ قيلَ ظُباً وقيلَ ظِباءُ

فترى محاسنَهَا تروقُ كأنَّما ... نشرتْ عليها وشيَهَا صنعاءُ

التشبيهات في المغنين

 التشبيهات في المغنين


قال أحمد بن عبد ربه:

رجعُ صوتٍ كأنَّه نظمُ درٍّ ... ما يَرَى سلكَهُ سوى الآذانِ

تنفثُ السّحرَ بالبيانِ من القو ... ل ولا سحرَ مثلُ سحرِ البيانِ


وقال يوسف بن هارون:

تلثمُ الأوتارَ منها بناناً ... يعدلُ الأفواهَ إلاَّ الرّضابا

تسبقُ الأبصارَ من وحيِ صوتٍ ... تحسبُ التَّرجيعَ منهُ انتهابا

مثلما طار الجفونُ اختلاجاً ... أوْ كما شقَّتْ بروقٌ سحابا


وقال علي بن أبي الحسين:

واهاً لذاكَ الغناءِ منكِ لَقَد ... أباحَ للقلبِ منك ما خافا

تاه بألحانِهِ علَى البصرِ ال ... سمعُ وهزَّ السُّرورُ أعطافا

كأنَّه والقلوبُ تألفُهُ ... أُلِّفَ منها فسرَّ أضعافا


وقال أيضاً:

أَحببْ ببدعةَ إذْ أحيتْ بدائعها ... ما ماتَ من لهوِ أيَّامي وأوْطاري

كأنَّ عودكِ صبٌّ يشتكي ... ألَمَ البلوى وألفاظُهُ ترجيعُ أوتارِ

مضرابُهُ باحثٌ عن شجونا أبداً ... بحثَ العواذلِ عن مكتومِ أسرارِ

كأنَّهُ قلمٌ في كفِّ ذي أربٍ ... يواصلُ الضَّبطَ في تقييدِ أشعارِ


وقال يوسف بن هارون:

علَى الوردِ منِّي إذْ تولَّى تحيَّةٌ ... وإن ما مضَى إقباله ورحيلُهُ

لقد كنتُ أُسقَى فوقه الرَّاحَ فوقنا ... من اللَّهو ظلٌّ لا يزولُ ظليلُهُ

وأوتارُ مخضوبِ البنانِ كأنَّها ... حَمامٌ وصبري حين ضلَّ هديلُهُ


وقال أبو عثمان السرقسطي الملقب بالحمار:

لا عيشَ إلاَّ في المدامِ وقينةٍ ... تشدُو علَى وَتَرٍ فصيحٍ ألثغِ

تُعنَى بتقديرِ الزَّمانِ ومسحِهِ ... فيجيء بين مُملأٍ ومُفرَّغِ

وكأنَّما نغماتُها في لفظِها ... ذَهَبٌ أُسيلَ علَى لجينٍ مُفرَغِ

وإذا نظرتَ إلى محاسنِ وجهِها ... ناديتَ يا قمرَ السَّما لا تبزُغِ

التشبيهات في الرَّبيع والزهر

التشبيهات في الرَّبيع والزهر


قال مازن بن عمرو:

وروضةُ تدمارٍ يروقُكَ حسنُها ... عليها رياطُ الوَشْي والحللُ الصُّفْرُ

ترى زَهراتِ النَّوْرِ فيها كأنَّها ... عيونٌ أجالَتْها بها الخرَّدُ الخفْرُ


وقال عبد الملك بن نظيف:

في ليلةٍ كمُلاءِ الوَشْي يَمْنَتُها ... تحت النبات وثاب الغُرِّ والجونِ

حُثَّ النّسيمُ عليها فانثنَتْ مرحاً ... مثلَ النّساءِ بتغريدٍ وتفنينِ

تظلُّ ذاتَ ابتسامٍ نحو لامحها ... عن نَوْرِها كابتسامِ الخرَّدِ العينِ


وقال أيضاً:

في روضةٍ رَشفَتْ لُعابَ غمامةٍ ... حتَّى ارتوتْ رشفَ الصَّدي الحرَّانِ

طلعتْ عليها الشَّمسُ فابتسمتْ لنا ... عن مثلِ نظْم الردِّ والمرجانِ

وتبسَّمتْ ريحُ الصَّبا فتعانقتْ ... أغصانُها كتعانقِ الولدانِ

وتقابلتْ أحداقُها فكأنها ... حدَقٌ شكت وجداً علَى الكتمانِ


وقال سليمان بن بطال المتلمس:

تبدَّتْ لنا الأرضُ مزهُوَّةً ... علينا ببهجةِ أثوابها

كانَّ أزاهرَها أكؤسٌ ... حَوتها أناملُ شُرَّابها

كأنَّ الغصونَ لها أذرعٌ ... تناولها بعضُ أصحابها

ترى خَمْرُها من رُضابِ الهَوَى ... لآلئَ في عينِ مرتابها

كأنَّ تعانُقها في الجنوبِ ... تعانُقَ خَوْدٍ لأترابها

كأنَّ ترقرقَ أجفانِها ... بُكاها لِفُرقة أحبابها


وقال يوسف بن هارون:

بكتِ السَّحابُ علَى الرِّياضِ فحسَّنَتْ ... منها غُروساً من دموعِ ثَكولِ

فكأنَّها والطلُّ يُشرقُ فوقها ... وشيءٌ يُحاكُ بلؤلؤٍ مفْصولِ


وقال أيضاً:

كأنَّ الرَّبيعَ الطَّلقَ أقبلْ مُهدياً ... لطلعةِ معشوقٍ إلى عينِ مُغْرم

تعجَّبْتُ من غَوْصِ الحيا في حشا الثَّرى ... فأفشى الَّذي فيه ولم يتكلم

كأنَّ الَّذي يَسْقي الثَّرى صوبُ قهوةٍ ... تنمُّ عليه بالضّميرِ المكتَّم


وقال أيضاً:

كأنَّ السَّحابَ الجَوْدَ أعرَسَ بالثَّرى ... فلاحَ شوارُ الأرضِ في كلِّ موضعِ

كأنَّ سرورَ الأرضِ حُزْنُ سحابها ... إذا ما بكتْ لاحتْ لنا في تصنّعِ

حبائبُ لا يسمحنَ إلاَّ بلحظةٍ ... وشمَّةِ أنفٍ كالحبيبِ الممنَّعِ


وقال إسماعيل بن إسحاق المعروف بالمنادي:

وحاكتُ لهُ الأنداءُ وشياً منمنماً ... كأن نظمُهُ من فاخرِ التّبر والدرِّ

تخالُ به نورَ الرَّبيع كواعباً ... عليها أكاليلُ اليواقيتِ فالشّذْر

إذا ما نسيمُ الرِّيح هبَّتْ بصحنه ... فمِلْنَ كما مالَ النّزيفُ من السُّكْر

يعانقُ بعضٌ بعضهنَّ تأوُّداً ... تعانقَ معشوقينِ كانا علَى هجْر

ويسقين دمعاً من عيونٍ كأنَّها ... عيونُ مهاً يُرْعدنَ من شدَّة الذّعْر


وقال عبيد الله بن يحيى بن إدريس الوزير:

يغازلُ عينَ الشَّمسِ حتَّى ترَى لها ... إليه حنينَ المستكينِ منَ الوجدِ

إذا اشتهتِ الأنفاسُ طيبَ نسيمهِ ... أتاها به من نافحات الصَّبا مُهدِ

فإنَّ مجالَ العينِ في رونقِ الضُّحَى ... عليه مجالُ اللّحظِ في زَهَرِ الخدِّ

إذا ما جَنَينا منه حكَى لنا ... تورُّدُهُ ما في الخدودِ من الوردِ


وقال أبو بكر ابن هذيل في قضبان الرِّياض وهبوب الرياح عليها:

هبَّتْ لنا ريحُ الصَّبا فتعانقتْ ... فذكرتُ جيدَك في العناقِ وجيدي

وإذا تألفَ في أعاليها النَّدَى ... مالتْ بأعناقٍ ولطْفِ قدودِ

وإذا التقتْ بالرِّيح لم تُبصرْ بها ... إلاَّ خدوداً تلتقي بخدودِ

فكأنَّ عُذرةَ بينها تحكي لنا ... صفة الخضوعِ وحالةَ المعمودِ

تيجانُها طلٌّ وفي أعناقِها ... منه نظامُ قلائدٍ وعقودِ

فترشُّني منه الصَّبا فكأنَّهُ ... من ماءِ وردٍ ليس للتصعيدِ

فكأنَّما فيها لطيمةُ عاطرٍ ... فتثيرُ ناراً في مجامر عودِ

شُغلتْ بها الأنداءُ حتَّى خلتُها ... يَبسطنَ أنديةً بها للصيدِ

وتجلببت زَهَراً فخلتُ بأنَّها ... فوقي نثائرُ نادفٍ مجهودِ


ثمَّ وصف ذباب الروض فقال:

وتمتَّعتْ بذبابها فرياضُها ... لبستْ كمثلِ المرتعِ المورودِ

غنَّى فأسمَعَني وغابَ فلم تَقَعْ ... عيني عليهِ في الكلا المنضودِ

فكأنَّ وَتْرَ المَوْصليِّ وَمَعْبدٍ ... بيديه فهو يصوغُ كلَّ نشيدِ

يرقة إلى ورقِ الكلا وكأنَّما ... حيزومهُ من لمَّةِ المولودِ

فكأنَّه متشهدٌ أوْ حاسبٌ ... فَنِكٌ بعقدِ حسابه المكدودِ


وقال عبيد الله بن إدريس الوزير:

قد حُلِّيتْ بأزاهرٍ مِن صَوغها ... نَوْرٌ حكين لآلئاً بنحورِ

وَأَرتْكَ أعينَ خرَّدٍ مرموقةٍ ... خجلتْ وأعينَ آنساتٍ حورِ

بيضاءَ ترفلُ في ملابسِ خُضرةٍ ... نُظمتْ بأحسنِ نَورها الممطورِ

فكأنَّها عذراءُ في إجلائها ... تُهدَى إلى جذِلٍ بها مسرورِ

وكأنَّما صبَغَ الحَيَا أثوابَهَا ... صبْغَ الحياءِ الخدَّ بالتَّخفيرِ


وقال يونس بن عبد الله صاحب الردّ:

جادتُ ثغورُ السَّحابِ بالرِّيق ... فأتبعتْ خُلَّباً بتصديقِ

فارتشفتهُ الرِّياضُ باكرةً ... ناظرةً نحوهُ بتحديقِ

كأنَّما الرَّوضُ إذْ تعلِّلُهُ ... بالرّيق صبٌّ خلا بمعشوقِ

تبسمُ عن نَوْرهٍ كما ابتسمتْ ... وامقةٌ بُشِّرتْ بموموقِ


وقال ابن عبد ربه:

وجهُ ربيعٍ أتاكَ باكرُهُ ... يرفلُ في حلْيه وفي حُلَلهْ

كأنَّ أيَّامهُ مُلبَّسةٌ ... أثوابَ غضِّ الشَّبابِ مُقتبلهْ


وقال علي بن أبي الحسين:

علامَ أغدُو خليّاً ... مِن شدوِ عودٍ وراحِ

وذا زمانُ ربيعٍ ... يدعو إلى الاصطباحِ

كأنَّما الرَّوضُ هَيْفا ... في حلَّةٍ ووشاحِ

تشيرُ غمزاً علينا ... بنرجسٍ وأقاحِ

تقولُ مَنْ عافَ وصلي ... فما له مِنْ فَلاحِ

فخُذْ فديتك كأساً ... ودعْ كلامَ اللّواحي


وقال أيضاً:

ألستَ ترَى حسنَ الرَّبيع وما أبدَى ... فقد أَذكرتنا زهرُ أيَّامه الخلْدا

تصدُّ عن الرَّوضِ الأَريض نزاهةً ... كأنَّكَ قد آثرتَ من بيننا الزُّهدا

تأمَّلْ ترَى قُضبَ الزُّمُرُّدِ فوقها ... يواقيتُ حمرٌ نحو أقداحنا تُهدَى

وقد نثرتْ فيه السَّحائبُ طلّها ... كما رشَّ ماءُ الوردِ بالعَنَم الخدا


وقال أيضاً:

قد وطئنا دَرانِكَ الرَّوض حتَّى ... بلِيتْ بالصَّبوح بعد الغَبوقِ

وكأنَّ النوّار يُشرقُ حُسناً ... فصرفناهُ في عدادِ الخلوقِ

وكأنَّ الرِّياض جسمُ حبيبٍ ... كادَ يفنَى بالضّمِّ والتَّعنيقِ


وقال مروان بن عبد الرحمن:

ربَّ يوم قد ظلَّ فيه نديمي ... يتغنى بروضة غناءَ

وكأنَّ الرِّياضَ حسناً حبيبٌ ... عاطرٌ سامَهُ المحبُّ لقاءَ

ضربتْ سحبُهُ رواقاً علينا ... وارتدينا من الغمامِ رداءَ

قد تحلى بزهرِهِ وتبدَّى ... ماثلاً في غلالةٍ خضراءَ

فأرتنا الرِّياضُ منه نجوماً ... وأرانا سنا العُقار ذَكاءَ

فكأنَّا بها شربنا سناها ... وحللنا بما حللنا السَّماءَ


وأنشد عبادة لأبيه في روضة:

وتمايلتْ أغصانُها ميَّادةً ... مثلَ انميادِ الخود حُلَّ خمارُها

وتضوَّعتْ ريحُ الجنوبِ خلالها ... فحكى لك المسكَ الذكيَّ بهارها

وكأنَّ شدوَ ذُبابها وغناؤهُ ... عزفُ القيانِ تناوَحَتْ أوتارُها


وقال يحيى بن هذيل:

بمحلةٍ خضراءَ أفْرَغَ حليها الذ ... هبيَّ صاغةُ قطْرِها المسكوبِ

بَسقَتْ علَى شرفِ البلاد كأنَّما ... قامتْ إلى ما تحتها بخطيبِ

والرَّوضُ قد ألفَ النَّدى فكأنَّه ... عينٌ توقَّفَ دمعُها لرقيب

متخالفُ الألوانِ يجمعَ شمْلَه ... ريحانِ ريحُ صبا وريح جنوبِ

فكأنَّما الصَّفراءُ إذْ تومي إلى ال ... بيضاءِ صبٌّ جانحٌ لحبيبِ


وقال المهند:

وكأنَّ السَّماءَ تنشرُ للأر ... ضِ وتُبدي طرائف الأنماطِ

وكأنَّ الملوكَ أهْدَوا إليها ... غِبَّ إروائها نفيسَ الرِّياطِ

وكأنَّ الجواهرَ انتجعتْها ... رغبةً عن بواطنِ الأسفاطِ

في جميمٍ كأنَّه جمَمٌ بي ... نَ جِعادٍ ممشوطةٍ وسِباطِ

فلها أسطرٌ من الرَّوضِ فاتتْ ... باعتدالٍ أناملَ الخطَّاطِ

وحروفٌ قد نقَّطَ الزَّهرُ منها ... كلَّ مستعجمٍ علَى النقَّاطِ


وقال محمد بن شخيص في المستنصر بالله:

أظنُّ جنانَ الخلدِ جُنَّتْ صبابةً ... إليه فدارتْ حين طالَ انتظارُها

إذا ابتهلَ الحُجَّاجُ بالشِّعبِ من منًى ... وقد حانَ عن رميِ الجمارِ انحدارها

حكى هَزَجَ الأطيارِ ليلاً عجيجُها ... ومستترَ النّوار صُبحاً جمارُها

التشبيهات في الريح

 التشبيهات في الريح


قال وهيب بن البديهي:

وريحٍ جربياءٍ صابحتنا ... لها في الوجه رَشْقٌ كالنّبالِ

تغوص علَى البراقع والحشايا ... كغَوْصِ الطيفِ في سِترِ الحجالِ


وقال الحسن بن حسان:

فجبتُ بَساطَ الأرضِ لم أكُ سامعاً ... به عند شدوِ الجنِّ هتفاً إلى هتفِ

كأن حنينَ الرِّيحِ في جَنباتهِ ... حنينُ المثاني والمثالثِ في العزفِ


وقال ابن هذيل أيضاً:

ودَنتْ في هبوبها مشيةَ النّشوانِ حيرانَ بالمدامِ الشَّمولِ

لصقتْ بالثّرى كما يخضعُ العاشقُ ذلاًّ إلى الحبيبِ المطولِ

ولقد خلتُ أن بينهما عشقاً فصارا للضمِّ والتّقبيلِ

واختفتْ عن فواطنِ الخلق حتَّى شبهوها ضآلةً بنحولِ


وقال ابن هذيل:

للصَّبا منَّةٌ علَى الرّوضِ هادته ... بطيبِ الحبيبِ أيَّ ذمام

وجرتْ بينه رواحاً ليرتاحَ ... ويبقى علَى رضًى والتئام

كالشفيقِ الَّذي يؤلف ما بين ... حبيبين بعدَ قطْعِ الكلام


وقال أيضاً:

ومُرِنَّةٍ بعد الرّواح كأنَّما ... في نحرها صوتُ القريع الهادرِ

قربت من الأسماع وهي بعيدةٌ ... منها وغابتْ في الهبوبِ الحاضرِ

فإذا التقى جمهورها في دوحةٍ ... فكأنَّ فيها كلَّ ليثٍ هاصرِ

وإذا استقلَّ قتامها فكأنَّما ... فيه التفافُ عساكرٍ بعساكرِ


وقال علي بن أبي الحسين:

خليليَّ ما لي كلَّما هبَّتِ الصَّبا ... أحنُّ إلى الأُفق الَّذي تتيمَّمُ

أكلِّفها حملَ السَّلامِ إليكمُ ... فإن خطرتْ يوماً عليكمْ فسلّموا

كأنَّ الصَّبا عندي رسولٌ مُبَلَّغٌ ... أبوح بأسراري إليه فيكتمُ

إذا كدتُ أن أسلو أجدَّ صبابتي ... كتابُ حبيبٍ أوْ خيالٌ مسلّمُ


وقال أيضاً:

غَزتْنا المُزْنُ والرّاياتُ دَجْنٌ ... بأجنادٍ عليها قائدانِ

شمالٌ قد تباريها قَبولٌ ... كأنَّهما معاً فرسا رهانِ


وقال أحمد بن فرج:

ورُبَّتَ ريحٍ امتزجتْ بنفسي ... مزاجَ الماءِ بالرّاحِ الزُّلالِ

وجدتُ لها وبي للشّوقِ ما بي ... كما وجد المهجِّرُ بالظّلالِ

وبات ثرى العقيقِ ينمُّ عنها ... إليَّ بمثل أنفاسِ الغوالي

فقلْ في نشوةٍ من نفحِ ريحٍ ... سُقيتُ بها الشَّمولَ من الشّمالِ

سرى في نارِ أشواقي سراها ... إلى جدْبِ الثّرى بحيا العَزالي

التشبيهات في انبلاج الصّبح

 التشبيهات في انبلاج الصّبح


قال يوسف بن هارون:

وكم ليلة قد جمَّعَتْنا وأدْبَرتْ ... تنوحُ علَى تفريقنا وتلَهَّفُ

إلى أن بدا وجهُ الصَّباحِ كأنَّما ... تحمَّلَ لقمانٌ وأقبلَ يوسفُ


وقال المهند:

وكأنَّ وجهَ الفجرِ وسْطَ سمائهِ ... من سودِ أرديةِ الظّلام أعاضَها

خودٌ ألمَّ بها الأسى في أزرقٍ ... برزتْ فشقَّقَ حُزنُها فضفاضها


وقال علي بن أبي الحسين:

لاحظْ ظلام الدُّجى والصُّبحُ يخفرُهُ ... كأنه جيشُ رومٍ يهزِمُ الحَبَشا


وقال حبيب بن أحمد:

قد أغتدي والظّلامُ منتشرٌ ... علَى جميع البلادِ عسكَرُهُ

والصُّبحُ حيران فيه مستترٌ ... كمجرمٍ همُّهُ تستُّرُهُ


وقال يوسف بن هارون:

بدا الصُّبحُ من تحتِ الظَّلام كأنه ... خوافي جناحَيْ هَيْقَلٍ باتَ حاضنا

وإلاَّ فكالثَّوبِ السّماويِّ مُعْلَماً ... شقيقاً بدا في أسفلِ الثَّوب بائنا


وقال أحمد بن عبد ربه:

حتَّى إذا ما اللَّيلُ قوَّ ... ضَ راحلاً عند الغَلَسْ

وبدا الصَّباحُ كغُرَّةٍ ... تبدو علَى وجه الفرسْ


وقال عباس بن فرناس:

فبتنا وأنواع النَّعيم ابتذالنا ... ولا غيرَ عينيها وعينيَ كالي

إلى أن بدا وجهُ الصَّباحِ كأنه ... جبينُ فتاةٍ لاحَ بين حجالِ

التشبيهات في السَّماء والنُّجوم والقمرين

 التشبيهات في السَّماء والنُّجوم والقمرين


قال عبادة بن ماء السَّماء الأنصاري:

كأنَّ السَّماءَ قبَّةٌ من زمرُّدٍ ... وفيها الدَّراري من عقيقٍ مسامرُ


وقال عباس بن ناصح يصف مغيب الشَّمس:

وشمسُ النَّهارِ قد هَوتْ لمغيبها ... كعذراءَ تبغي في الحجالِ التَّواريا


وقال سعيد بن عمرون في الهلال:

والبدرُ في جوِّ السَّماءِ قد انطوى ... طرفاهُ حتَّى عاد مثلَ الزّورقِ

فتراهُ من تحتِ المُحاقِ كأنما ... غرقَ الجميعُ وبعضُهُ لم يغرقِ


وقال محمد بن خطّاب النحوي:

ربَّ ليلٍ جُبْتُهُ في فتيةٍ ... كسيوفِ الهند أوْ زُهْرِ النّجومِ

طلع البدرُ به في صورةٍ ... تشبهُ التّاجَ علَى الشَّعر البهيمِ


وقال يحيى بن هذيل في الهلال:

يحكي من الحاجبِ المقرونِ شُقْرَتهُ ... فانظرْ إليه فما أخطا ولا كادا

لو التقى لحكى حِجْلاً ولو قطعوا ... من دارةِ الحجلِ ما أربى ولا زادا


وقال جعفر بن عثمان في الثُّريَّا:

سألتُ نجوم اللَّيل هل ينقضي الدُّجى ... فخطَّتْ جواباً بالثريا كخطِّ لا

وما عن جوًى سامرتها غير أنَّني ... أنافسها المجرى إلى رُتَبِ العلا


وقال عبادة:

ربَّ ليلٍ سهرتُ في قمرٍ ... مدَّ من فَرْحةٍ عليه حُلَى

والثُّريَّا كأنها سُئِلتْ ... فأجابتْ عن الحبيبِ بلا


وقال جعفر بن عثمان:

صفِ الثُّريَّا بمثلها صفةً ... فقلتُ قرطٌ فصولُهُ العنبرْ

سماؤها في اعتدالِ خضرتها ... زمرُّدٌ والنُّجومُ فالجوهرْ


وقال أيضاً:

وكأنَّ أثناءَ الثُّريَّا إذْ بدَتْ ... قرطٌ طريحٌ في بساط زمرُّدِ

وكأنَّما لَبِسَ السَّماء ملاءةً ... خضراءَ تُرْصَف من جمال العَسجدِ


وقال عيسى قرلمان، وكان القمر علَى الجوزاء:

أَرَى أرْجُلَ الجوزاءِ غيرَ بوارحٍ ... وأيدي الثُّريَّا كالسَّقيم صحيحُها

وهمَّتْ ولم تمضِ السَّبيلَ كأنَّها ... من الأينِ صَرْعى أثخنتها جروحها

وللبدرِ إشراقٌ عليها كأنه ... رقيبٌ علَى ألاَّ يتمَّ جنوحها


وقال محمد بن الحسين:

والجوُّ أزرقُ والنُّجومُ كأنها ... ذهبٌ تسربلَ لا زورداً أزرقا

وكأنما الجوزاءُ فيه تقلَّدَتْ ... سيفاً حمائلُهُ المجرّةُ مُعْرَقا


وقال طاهر بن محمد يذكر جملة من النُّجوم:

وليلٍ بتُّ أكلؤُهُ بهيمٍ ... كأنَّ علَى مفارقه غرابا

كأنَّ سماءهُ بحرٌ خضمٌّ ... كساه الموجُ ملتطماً حَبابا

كأنَّ نجومَهُ الزُّهْرَ الهوادي ... وجوهٌ أخْضَلت تبغي الثوابا

كأنَّ المستسرةَ في ذراه ... كمائنُ غارةٍ رَقَبتْ نهابا

كأنَّ النّجمَ مُعترضاً وُشاةٌ ... تُسارقُ فيه لحظاً مسترابا

كأنَّ كواكبَ الجوزاءِ شَرْبٌ ... تعاطيهمْ ولائدهُمْ شرابا

كأنَّ الفرقدين ذوا عِتابٍ ... أجالا طولَ ليلهما العتابا

كأنَّ المشتري لمّا تعالى ... طليعةُ عسكرٍ خَنَسوا ارتقابا

كأنَّ الأحمرَ المرّيخَ مُغْضٍ ... علَى حنَقٍ يشبُّ به شهابا

كأنَّ بقيةَ القمرِ المولِّي ... كئيبٌ مدنفٌ يشكو اجتنابا


وقال يوسف بن هارون:

وآنسني فيك النُّجومُ برعيها ... فدرّيُّها حَلْيٌ وبدرُ الدُّجى إلفي

كأنَّ سماءَ الأرضِ نِطْعُ زُمرُّدٍ ... وقد فَرِشتْ فيه الدّنانيرُ للصّرفِ


وقال المهزله:

وكأنَّما زُهْرُ النّجوم كواعبٌ ... حَسرتْ فأبدتْ في الشّعور بياضَها

وكأنَّما فيها الخفيةُ أعينٌ ... نظرتْ وسابقَ فتحُها إغماضَها


وقال محمد بن إبراهيم بن الحسين:

وسعى علينا بالكؤوسِ مُنطَّقٌ ... أجرى دمي فأعاضَ راحاً من دمِ

حتَّى بدا لي المشتري وقرينُهُ ... المرّيخُ يرفلُ في غلالةِ عَنْدَمِ

قال النَّديمُ فصفهما قلت استمعْ ... رمحانِ في كفَّيْ كميٍّ مُعْلَمِ

تبعَ الكميُّ بذا فأخطا طعنهُ ... وأصابهُ هذا ففيه دمُ الكمي


وقال ابن هذيل:

وكأنَّ المقاتلَ اغتاظ حتَّى ... أنفذَ الصُّبحَ بالتقحم طعنا

والسّهى في بناتِ نعشٍ ضميرٌ ... بين أضلاعها تبوَّأ كِنَّا

السهى: الكوكب الخفي في بنات نعش.


وقال سعيد بن عمرون في النّجوم:

وكأنَّها في الحسنِ روضةُ نَرْجِسٍ ... تفترُّ في رَوْضٍ من النمّامِ

وكأنَّما أعلى البروجِ هياكلٌ ... محفوفةٌ بمصابح الإظلامِ

وكأنَّما صغرى النّجومِ يواقتٌ ... يجري بهنَّ عُبابُ بحرٍ طامِ


وقال أحمد بن درَّاج:

وقد حوَّمتْ زُهرُ النّجومِ كأنَّها ... كواعبُ في خُضْرِ الحدائقُ حورُ

ودارتْ نجومُ القطبِ حتَّى كأنَّها ... كؤوس مهاً وافى بهنّ مديرُ

وقد خيَّلتْ زُهْرُ المجرَّةِ أنَّها ... علَى مَفْرِقِ اللَّيل البهيمِ قتيرُ


وقال سعيد بن عمرون:

واللَّيلُ في لونِ الغراب كأنه ... مُتَدرِّعٌ بمدارعٍ من قارِ

وكأنَّما ذاتُ الخضابِ وقد هوَتْ ... رامشنةٌ رُصِدَتْ من النوارِ

وكأنَّما الشعرى العبورُ وراءها ... ذهبٌ تدحرجَ فهو كالدّينارِ

وكأنَّما أشخاصها قد أُفرِغَتْ ... في ماءِ ياقوتاً علَى بُلاَّرِ


الأحد، 29 أغسطس 2021

تبدّت لنا وسط الرُّصافةِ نخلةٌ

 رأى عبد الرحمن الداخل أمير الأندلس نخلة مفردة بالرصافة (اسم مكان في الأندلس) ، فهاجت شجنه ، وتذكر وطنه فقال :


تبدّت لنا وسط الرُّصافةِ نخلةٌ

              تناءت بأرض الغربِ عن بلد النخلِ

فقلتُ شبيهي في التغرب والنوى

              وطُولِ انثنائي عَنْ بَنيَّ وعن أهلي

نشأتِ بأرض أنتِ فيها غريبةٌ

              فمثلُكِ في الإقصاء والمنتأى مثلي

سقتكِ عوادي المُزنِ من صوبها الذي

              يَسُحُّ وتستمري السِّماكَيْنِ بالوبل

إعجاب المتنبي بشعر ابن عبد ربه

 قال ياقوت الحموي في معجم الأدباء: أخبرني بعض العُلية:

 أن الخطيب أبا الوليد ابن عسال أدى فريضة الحَجَّ، فلمَّا انصرف  عائداً إلى الأندلس، تطلَّع إلى لِقاء الشاعرالمتنبئ في مصر، واستشرف ورأى أن لُقيتَه فائدةٌ يكتسِبُها، وحُلَّة فخرٍ لايَحْتَسِبُها، فصار إليه، فوجدَهُ في مَسجد عمرو بن العاص في الفسطاط، ففاوضه قليلاً ثم قال المتنبي: ألا أنشدني لمليح الأندلس، يعني ابن عبد ربه فأنشده ابن عسال:


يا لُؤلُؤاً يَسْبي العُقولَ أنِيقا

              وَرَشاً بِتَقطِيْعِ القلُوبِ رَفِيقا

ما إِنْ رأيتُ ولا سَمِعتُ بِمِثْلِهِ

              دُراًّ يعوْدُ مِنَ الْحياءِ عَقِيْقا

وَإذا نَظرتَ إلى مَحاسِنِ وجْهِهِ

              أبْصَرْتَ وَجْهَكَ في سَناهُ غَرِيْقا

يا مَنْ تَقطَّعَ خَصْرُهُ مِنْ رِدْفِهِ

              مَا بالُ قلبكَ لا يَكوْنُ رَقِيْقا؟


فلما أكمل ابن عسال إنشادَه، استعادها منه المتنبي، ثم صفق المتنبي بيديه. وقال: يا ابن عبد ربه، لقد يأتيك العراق حَبْواً. وهذه شهادة لهاقيمتها من المتنبي تعكس إعجابه بشعر ابن عبد ربه الأندلسي.

 ابن زُهْر الحفيد: أبو محمد بن عبد الملك بن زُهْر بن عبد الملك بن محمد بن مروان بن زُهْر الأيادي الإشبيلي، عاصر دولتي المرابطين والموحّدين. كان شاعرا وشّاحا وطبيبا ووزيرا، من سلالة توارثت الأدب والشعر والطب، مات مسموما بمرّاكش من قبل أحد الوزراء حسدا وغيرة.

ومن موشحاته المشهورة قوله:


أيّها السّاقي إليكَ المشتكَى

قد دعوناكَ وإن لمْ تسمعِ


ونديمٍ هِمتُ في غُرتهِ

وسقاني الراحَ من راحتهِ

فإذا ما صحّ من سُكرتهِ

جذبَ الزقَّ إليه واتكى


وسقاني أربَعاً في أربَعِ


غصنُ بانٍ مالَ من حيث استوى

باتَ مَنْ يهواه من خوفِ النوى

قلقَ الأحشاء مهضومَ القوى

كلما فكّر في البين بكى


ما له يبكي لِما لم يقعِ


ما لعيني غشيّتْ بالنظرِ

أنكرتْ بعدك ضوءَ القمرِ

فإذا ما شئتَ فأسمعْ خبري

شقيتْ عيني من طول البكا


وبكى بعضي على بعضي معي


ليس لي صبرٌ ولا لي جلدُ

يا لقومي عذلوا واجتهدوا

أنكروا شكوايَ مما أجدُ

مثلُ حالي حقها أنْ تشتكي


كمد اليأس وذلُّ الطمَع


كبدي حرّى ودمعي يكِفُ

يعرفُ الذنبَ ولا يعترفُ

أيها المعرضُ عما أصفُ

قد نما حُبّكَ بقلبي وزكا


لا تقلْ إني في حبّك مدّعي


يا عينُ بكِّي السراجْ الأزْهَرا

 لأبي الحسن علي بن حزمون أحد شعراء الموحدين، موشحة في الرثاء عدّها المؤرخون الأندلسيون من أروع المراثي التي قيلت في بلاد الأندلس، قالها يرثي فيها أبا الحملات بن أبي الحجّاج قائد الأعنّة ببلنسية الذي قتله النصارى:


يا عينُ بكِّي السراجْ الأزْهَرا النيِّرا اللامعْ

                وكان نعمَ الرتاجْ فكُسِّرا كي تُنْثَرا مَدامعْ

من آل سعدٍ أغَرّْ مثلُ الشهابِ المُتقِدْ

                بكى جميعُ البشَرْ عليه لما أنْ فُقِدْ

والمشرفيُّ الذكَرْ والسمهريُّ المُطّرِدْ

                شقّ الصفوفَ وكر على العدوِّ مُتّئدْ

جادكَ الغيثُ إذا الغيثُ هَمى

موشحة الوزير لسان الدين بن الخطيب :


 جادك الغيـث إذا الغيـث همـى .... يـا زمـان الوصـل بالأنـدلـس

لـم يكـن وصـلـك إلا حلـمـا .... في الكرى أو خلسـة المختلـس

إذ يقـود الدهـر أشتـات المنـى .... ننقـل الخطـو علـى ماتـرسـم

زمـرا بـيـن فُــرادى وثـنـا .... مثلمـا يدعـو الحجيـج الموسـم

والحيا قد جلـل الـروض سنـا .... فثغـور الزهـر فـيـه تبـسـم

وروى النعمان عن مـاء السمـاء .... كيف يـروي مالـكٌ عـن أنـس

فكسـاه الحسـن ثوبـاً مُعلـمـاً .... يزد َ هـي منـه بأبهـى ملبـس



في ليـال ٍ كتمـت سـر الهـوى .... بالدجـى لـولا شمـوس الغُـرر

مال نجـم الكـأس فيهـا وهـوى .... مستقيـم السيـر سعـد الأثــر

    وطرٌ مافيه مـن عيـب ٍسـوى .... أنـه مــرَّ كلـمـح البـصـر

حيـن لـذّ النـوم شيئـاً أو كمـا .... هجـم الصبـح هجـوم الحـرس

غـارت الشهـب بنـا أو ربمـا .... أثـرت فينـا عيـون النـرجـس


 

أيٌّ شـئ لامـرئ قـد خلـصـا .... فيكون الـروض قـد مكـن فيـه

تنهـب الأزهـار فيـه الفُرصـا .... أمِنـت مـن مـكـره ماتتقـيـه

فـاذا المـاء تناجـى والحـصـا .... وخـلا كـل ٌّ خلـيـل بأخـيـه

تُبصـر الـورد غيـوراً بَـرمـا .... يكتسي مـن غيظـه مـا يكتسـى

وتــرى الآس لبِيـبـا فهـمـا .... يسـرق السمـع بأذنـي فــرس


 

يا أهَيلَ الحي مـن وادي الغضـا .... وبقلبـي مسـكـنٌ أنـتـم بــه

ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا .... لا أبالـي شرقـه مـن غـربـه

فأعيدوا عهـد أنـس قـد مضـى .... تعتقـوا عبدكـم مــن كـربـه

واتقـوا الله ، وأحيـوا مغـرمـا .... يتلاشـى نفـسـاً فــي نـفـس

حبـس القلـب عليكـم كـرمـا .... أفترضـون َ عـفـاء الحُـبُـس


 

وبقلـبـي منـكـم مـقـتـرب .... بأحاديـث المنـى وهـو بعـيـد

قمـر أطلـع مـنـه المـغـرب .... شقوة المضني بـه وهـو سعيـد

قـد تسـاوى محسـنٌ أو مذنـبٌ .... فـي هـواه بيـن وعـدٍ ووعيـد

أحـور المقلـة معسـول اللمـى .... جال في النَّفْـس مجـالَ النَّفَـس

سدد السهـم فأصمـى إذ رمـى .... بـفـؤادي نبـلـه المـفـتـرس


 

إن يكـن جـار وخـاب الأمـل .... ففـؤاد الصَّـبِّ بالشـوق يـذوب

فـهـو للنـفـس حبـيـب اول .... ليس في الحب لمحبـوب ذنـوب

أمــره معـتـمـل ممـتـثـل في .... ضلوع قـد براهـا وقلـوب

حكـم اللحـظ بــه فاحتكـمـا .... لم يراقب فـي ضعـاف الأنفـس

ينصـف المظلـوم ممـن ظلمـا .... ويجـازي البَـرَّ منهـا والمُسِـي


 

مـا لقلبـي كلمـا هبـت صبـا .... عاده عيـدٌ مـن الشـوق جديـد

جلـب الهـم لــه والوصـبـا .... فهو للأشجان فـي جهـدٍ جهيـد

كـان فـي اللـوح لـه مكتتـبـا .... قـولـه : إن عـذابـي لشـديـد

لاعجٌ في أضلعـي قـد أضرمـا .... فهي نـارٌ فـي الهشيـم اليبـس

لم يـدع فـي مهجتـي إلا ذِمـا .... كبقـاء الصبـح بـعـد الغـلـس


 

سلمي يا نفس فـي حكـم القضـا .... واعمري الوقت برجعي ومتـاب

ودعي ذكـر زمـان قـد مضـى .... بين عُتبى قـد تقضـت وعتـاب

واصرفي القول الى مولى الرضى .... ملهـم التوفيـق فـي أم الكتـاب

الكريـم المنتـهـي والمنتـمـي .... أسـد السـرج وبـدر المجـلـس

ينـزل النصـر علـيـه مثلـمـا .... ينـزل الـوحـي روح الـقُـدس

مصطفـى الله سَمِـيٌّ المصطفـى .... الغنـي بالله عـن كــل أحــد

مـن إذا ماعَقـد العهـد وفــى .... وإذا مـا فتـح الخطـب عـقـد

من بني قيس بـن سعـد وكفـى .... حيث بيت النصر مرفـوع العَمَـد

حيث بيت النصر محمًّي الحمـى .... وجَنى الفضـل زكـي المغـرس

والهـوى ظـل ظلـيـلٌ خيـمـا .... والنـدى هـبَّ الـى المغتـرس



هاكهـا ياسِبـطَ أنصـار العُلـى .... والـذي إن عثـر الدهـر أقـال

غـادةً ألبسهـا الحـسـن مُــلا .... تبهـر العيـن جـلاءً وصـقـال

عارضت لفظـاً ومعنـى وحلـى .... قول مـن أنطقـه الحـب فقـال:

هل درى ظبي الحمى أن قد حمى .... قلب صـب حَلَّـه عـن مكنـس

فهـو فـي حـر وخفـقٍ مثلمـا .... لعبـت ريـح الصبـا بالقـبـس

الوردُ أحسنُ ما رأت عين وأزكي

 ومن بين الشعراء الذين تغنّوا بالورد في هذه الفترة جهْور

بن أبي عبده أبو الحزم الوزير، وقد جاء بمعان وصوّر جديدة لم

تُطرق من قبل في الشعر الأندلسي، ومن ذلك قوله:


الوردُ أحسنُ ما رأت عين وأزكي ... ما سقى ماء السحابِ الجائدُ

خضَعتْ نواوير الرياض لحسنه ... فتدللت تنقاد وهي شواردُ

وإذا تبدّى الورد في أغصانه ... ذلوا فَذَا مَيْتٌ وهذا حاسد

وإذا أتى وفد الربيع مبشراً ... بطلوع صفحته فنعمَ الوَافِدُ

ليس المبشِّر كالمبشَّر باسمه ... خبر عليه من النُّبوة شاهدُ

وإذا تعرّى الوردُ من أوراقه ... بقيتْ عوارفه فهن خوالدُ

بليت وأبلتني الليالي وكرُّها

 ومن زهديات ابن عبد ربه قوله في أواخر أيامه:

بليت وأبلتني الليالي وكرُّها ... كلاني لما بي عاذِليَّ كفاني

طويتُ زماني برهة وطواني ... وصرفان للأيّام معتمرانِ

وما ليَ لا أبلي لسبعين حجة ... وعشر أتت من بعدها سنتانِ

فلا تسألاني عن تباريح علّتي ... ودونَكما مني الذي تريَاني

وإني بحمد الله راج لفضله ... ولي من ضمان الله خير ضمان

ولست أبالي من تباريح علّتي ... إذا كان عقلي باقياً ولساني

هُما ما هُما في كلِّ حالٍ تُلمَّ بي ... فذا صارمي فيها وذاك سناني

ما تراهُ في اصطباح وعُقُودُ القَطْرِ تُنثَرْ

 وكان الأمير عبد الرحمن الثاني شاعرا ومن شعره ما كتبه لنديمه عبد الله بن الشمر


ما تراهُ في اصطباح وعُقُودُ القَطْرِ تُنثَرْ

                 ونسيمُ الروض يختال على مسكٍ وعنْبَرْ

كلما حاول سَبْقاً فَهْوَ في الرَّيْحانِ يَعثُرْ

                 لا تكُنْ مِهْمالَةً واسْبقْ فما في البُطْء تُعْذَرْ

يا نخلُ أنت غريبةٌ

قال الأمير عبد الرحمن الداخل في نخلة رآها في حديقة قصره:


يا نخلُ أنت غريبةٌ مثلي ... في الغرب نائية عن الأصلِ

فابكي وهل تبكي مكبّسةٌ ... عجماء لم تطبع على خَبْلِ

لو أنها تبكي إذاً لبكت ... ماءَ الفُرات ومنْبتَ النخلِ

لكنها ذَهلَتْ وأذهلني ... بُغْضي بني العباس عن أهلي

السبت، 28 أغسطس 2021

تقطع قلبي حسرةً وتفطرا

 إذا ما رأت عيناي لابس حمرةٍ .... تقطع قلبي حسرةً وتفطرا

غدا لدماء الناس باللحظ سافكاً .... وضرج منها ثوبه فتعطرا


ابن حزم الأندلسي

فإن دموع العين تبدي وتفضحُ

 دليل الأسى نار على القلب تلفحُ .... ودمع على الخدين يهمي ويسفحُ

إذا كنتم الشغوف سر ضلوعه .... فإن دموع العين تبدي وتفضحُ

إذا ما جفون العين سألت شؤونها .... ففي القلب داء للغرام مبرحُ


ابن حزم الأندلسي

وأنت كذاك نرجو أن تعودا

 لعلك بعد عتبك أن تجودا .... بما منه عتبت وأن تزيدا

فكم يوم رأينا فيه صحواً .... وأسمعنا بآخره الرعودا

وعاد الصحو بعد كما علمنا .... وأنت كذاك نرجو أن تعودا


ابن حزم الأندلسي

وللَه فيما قد قضى الشكر والحمد


لقد قرت العينان بالقرب منكم .... كما سخنت أيام يطويكم البعد

فللَه فيما قد مضى الصبر والرضى .... وللَه فيما قد قضى الشكر والحمد


ابن حزم الأندلسي

تذكرت وداً للحبيب كأنه

 تذكرت ودا للحبيب كأنه .... (لخولة أطلالٌ ببرقة ثهمد)

وعهدي بعهدٍ كان لي منه ثابتٍ .... (يلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد)

وقفت به لا موقناً برجوعه .... (ولا آيساً أبكي وأبكي إلى الغد)

إلى أن أطال الناس عذلي وأكثروا .... (يقولون لا تهلك أسى وتجلد)

كأن فنون السخط ممن أحبه .... (خلايا سفينٍ بالنواصف من دد)

كأن انقلاب الهجر والوصل مركب .... (يجوز به الملاح طوراً ويهتدي)

فوقت رضي يتلوه وقت سخط .... (كما قسم الترب المقابل باليد)

ويبسم نحوي وهو غضبان معرضٌ .... (مظاهر سمطي لؤلؤٍ وزبرجد)


ابن حزم الأندلسي

يعيبونها عندي بشقرة شعرها

 يعيبونها عندي بشقرة شعرها .... فقلت لهم هذا الذي زانها عندي

يعيبون لون النور والتبر ضله .... لرأي جهولٍ في الغواية ممتد

وهل عاب لون النرجس الغض عائب .... ولون النجوم الزاهرات على البعد

وأبعد خلق اللَه من كل حكمةٍ .... مفضل جرم فاحم اللون مسودٌ

به وصفت ألوان أهل جهنم .... ولبسة باكٍ مثكل الأهل محتد

ومذ لاحت الرايات سوداً تيقنت .... نفوس الورى أن لا سبيل إلى الرشد


ابن حزم الأندلسي

الخميس، 26 أغسطس 2021

الشَمسُ تَخجَلُ مِن جمالِك

الشَمسُ تَخجَلُ مِن جمالِك

                    فَتَغيبُ مُسرِعَةً لذلكْ                     

وَالغَيثُ يَحيا أَن يُصو

                    بَ لِما يَراهُ مِن نَوالِكْ                     

وَالبَدرُ يَطلع ناقِصاً

                    حَتّى يُتَمِّمَ مِن كَمالِكْ                      


المعتمد بن عباد

فالعَقلُ عِندي أَن تَزولَ عُقولُ

 عَلِّل فُؤادَكَ قَد أَبَلّ عَليلُ .... وَاِغنَم حَياتَكَ فَالبَقاءُ قَليلُ

لَو أَنَّ عُمرَكَ أَلفُ عامٍ كامٍلٍ .... ما كانَ حَقا أَن يُقالَ طَويلُ

أَكَذا يَقودُ بِكَ الأَسى نَحوَ الرَدى .... وَالعُودُ عُودٌ وَالشَمولُ شُمولُ

لا يَستَبيكَ الهَمُّ نَفسَكَ عَنوَةً .... وَالكأسُ سَيفٌ في يَدَيكَ صَقيلُ

بِالعَقلِ تَزدَحِمُ الهُمومُ عَلى الحَشا .... فالعَقلُ عِندي أَن تَزولَ عُقولُ


المعتمد بن عباد

اِقنَع بِحَظِك في دُنياكَ

 اِقنَع بِحَظِك في دُنياكَ ما كانَا .... وَعَزِّ نَفسِكَ إِن فارَقت أَوطانا

في اللَه مِن كُلِّ مَفقودٍ مَضى عِوَضٌ .... فأشَعر القَلبَ سُلوانا وَإِيمانا

أَكُلَّما سنحت ذِكرى طَربتَ لَها .... مَجَّت دُموعكَ في خدّيكَ طوفانا

أَما سَمِعتَ بِسُلطانِ شبيهكَ قَد .... بَزَّتهُ سودُ خُطوب الدَهر سُلطانا

وَطِّن عَلى الكُرهِ وَاِرقُب إِثرَهُ فَرجاً .... وَاِستَغفِر اللَهَ تَغنَم مِنهُ غُفرانا


المعتمد بن عباد

يا أَبدَعَ الناسِ في مَحاسِنِهِ

 غُصنٌ مِن التِبرِ فَوقَهُ وَرَقُ .... كَأَنَّهُ الصُبحُ تَحتَهُ شَفَقُ

يا أَبدَعَ الناسِ في مَحاسِنِهِ .... رِقَّ عَلى مَن أَذابَهُ ألأرَقُ

مَدَدتُ كَفّي رَجاءَ رأفَتِكُم .... لا تَترِكوني يَنالُني الغَرَقُ

بَحرُ دُموعي مُغرِقٌ جَسَدي .... تَدارَكوا مُهجَتي وَبي رَمَقُ


  المعتمد بن عباد

يا جاهِلَ الحُبَّ إِنَّ الحُبَّ لي سَنَدٌ

 يا جاهِلَ الحُبَّ إِنَّ الحُبَّ لي سَنَدٌ .... مَهما أُجَزَ عَنهُ يَوماً سَوفَ أَعتَمِدُ

أَيَجهَلُ الحُبَّ مَن أَصحَت بِهِ حُرقٌ .... تَكادُ مِن حَرِّها الأَحشاءُ تَتَّقِدُ

اللَهُ يَعلَمُ أَنّي شَيِّقٌ أَبَداً .... لا يَنقَضي الشَوقُ حَتّى يَنقَضي الأَبَدُ

إِن يَشرَبِ الجِسمُ بَردَ الوَصلِ مُنتَعِشاً .... يُهدي إِلَيهِ فُؤادي حَرَّ ما يَجِدُ


المعتمد بن عباد

يُنادونَ قَلبي وَالغَرامُ يُجيبُ

 يُنادونَ قَلبي وَالغَرامُ يُجيبُ .... وَلِلقَلبِ في حين النِداءِ وَجيبُ

مَشوقٌ دَعاهُ الشَوقُ وَالوَجدُ وَالهَوى .... يُجيبُ نِداءَ الحُبِّ وَهوَ نَجيبُ

يُقاسي فُؤادي الوَجدَ وَالحُبَّ واصِلٌ .... فَكَيفَ تَراهُ إِن جَفاهُ حَبيبُ

إِذا أخَطأَ الأَحبابُ تَرتيبَ حالِهِم .... فَإِنَّ فُؤادي دائما لَيُصيبُ

عَليمٌ بِأَسرار الغَرامِ لأَنَّهُ .... بَصيرٌ بِأدواء الحِسانِ طَبيبُ

يُواصِلُني سِرّا وَيُصرِمُ ظاهِراً .... وَذَلِكَ مِن أَفعالِهِنَّ عَجيبُ


المعتمد بن عباد

لَقَد بَسَطَ اللَهُ المَكارِمَ مِن كَفّي

 لَقَد بَسَطَ اللَهُ المَكارِمَ مِن كَفّي .... فَلَستُ عَلى العلاّت مِنها أَخا كَفِّ

تُنادي بُيوتُ المالِ مِن فرطِ بَذلِها .... يمينيَ قَد أَصرَفتِ ظالِمتي كُفّي

أَتُغري يَميني بِالسَماحِ فَتَنهَمي .... وَلا تَرتَضي خِلّا يَقولُ لَها يَكفي

لَعَمرُكَ ما الإِسرافُ في طَبيعَةٍ .... وَلَكِنَّ طَبعَ البُخلِ عِنديَ كالحَتفِ


المعتمد بن عباد

أنا في الحُبِّ مُغرَمٌ

 أنا في الحُبِّ مُغرَمٌ مُستَنيلُ .... كُلَّ نَيلٍ أَنالُهُ لي قَليلُ

لي جُثمانُ مَن يَظُنُّ صَحيحاً .... وَفُؤادي مِنَ الغَرامِ عَليلُ

ليَ ذِهنٌ مِثلَ الحُسامِ صَقيلُ .... هُوَ مِن كَثرَةِ التَجَنّي فَليلُ


المعتمد بن عباد

أبيات مكتوبة على قبر المعتمد بن عباد




 قَبرَ الغَريب سَقاكَ الرائِحُ الغادي .... حَقّاً ظَفَرتَ بِأَشلاء ابن عَبّادِ

بِالحِلمِ بالعِلمِ بِالنُعمى إِذِ اِتّصلَت .... بِالخَصبِ إِن أَجدَبوا بالري لِلصادي

بالطاعِن الضارِب الرامي إِذا اِقتَتَلوا .... بِالمَوتِ أَحمَرَ بالضرغمِ العادي

بالدَهر في نِقَم بِالبَحر في نِعَمٍ .... بِالبَدرِ في ظُلمٍ بِالصَدرِ في النادي

نَعَم هُوَ الحَقُّ وَافاني بِهِ قَدَرٌ .... مِنَ السَماءِ فَوافاني لِميعادِ

وَلَم أَكُن قَبلَ ذاكَ النَعشِ أَعلَمُهُ .... أَنَّ الجِبال تَهادى فَوقَ أَعوادِ

كَفاكَ فارفُق بِما اِستودِعتَ مِن كَرَمٍ .... رَوّاكَ كُلُّ قَطوب البَرق رَعّادِ

يَبكي أَخاهُ الَّذي غَيَّبتَ وابِلَهُ .... تَحتَ الصَفيحِ بِدَمعٍ رائِح غادي

حَتّى يَجودَكَ دَمعُ الطَلّ مُنهَمِراً .... مِن أَعيُن الزَهرِ لم تَبخَل بِإِسعادِ

وَلا تَزالُ صَلاةُ اللَهِ دائِمَةً .... عَلى دَفينكَ لا تُحصى بِتعدادِ


أَقومُ عَلى الأَيّام خَيرَ مُقامِ

 أَقومُ عَلى الأَيّام خَيرَ مُقامِ .... وَأُوقِدُ في الأَعداءِ شَرَّ ضِرامِ

وَأُنفِقُ في كَسبِ المَحامِدِ مُهجَتي .... وَلَو كانَ في الذِكرِ الجَميل حِمامي

وَأُبلغُ مِن دُنيايَ نَفسي سُؤلَها .... وَأَضرِبُ في كُلِّ العُلا بِسِهام

إِذا فَضَحَ الأَملاكَ نَقصٌ فَإِنَّهُ .... يُبَيِّنُهُ عِندَ الأَنامِ تَمامي


المعتمد بن عباد

أَنامُ وَما قَلبي عَنِ المَجدِ نائِمُ

 أَنامُ وَما قَلبي عَنِ المَجدِ نائِمُ .... وَإِنَّ فُؤادي بِالمَعالي لَهائِمُ

وَإِن قَعُدَت بي عِلَّةٌ عَن طِلابِها .... فَإِنَّ اِجتِهادي في الطِلابِ لَقائِمُ

يَعِزُّ عَلى نَفسي إِذ رُمتُ راحَةً .... بِراحٍ فَتُثنيني الطِباعُ الكَرائِمُ

وَأَسهَرُ لَيلي مُفكراً غَيرَ طاعِمٍ .... وَغَيري عَلى العِلّاتِ شَبعانُ نائِمُ

يُنادي اِجتِهادي إِن أَحَسَّ بِفَترَةٍ .... أَلا أَينَ يا عَبّادُ تِلكَ العَزائِمُ

فَتَهتَزُّ آمالي وَتَقوى عَزائِمي .... وَتُذَكِرُني لذَاتِهُنَّ الهَزائِمُ


المعتمد بن عباد

ولادة بنت المستكفي

 من شعرها:


لحاظُكم تجرحُنا في الحشا ..... وَلَحظنا يجرحكم في الخدود

جرح بجرحٍ فاِجعلوا ذا بذا ..... فما الّذي أوجبَ جرح الصدود


 ومن شعرها أيضاً:


أنا واللَه أَصْلُحُ للمَعالي ..... وأَمشي مِشيتي وأَتِيهُ تِيها

أُمَكِّنُ عاشقي من صَحْنِ خَدّي ..... وأُعطي قُبلتي مَن يشتهيها


ومن شعرها كذلك:


أَلا هَل لنا من بعد هذا التفرّق ..... سبيلٌ فيشكو كلّ صبّ بما لقي

وَقد كنت أوقات التزاورِ في الشتا ..... أبيتُ على جمرٍ من الشوق محرقِ

فَكيفَ وقد أمسيت في حال قطعة ..... لَقد عجّل المقدور ما كنت أتّقي

تمرُّ الليالي لا أرى البين ينقضي ..... وَلا الصبر من رقّ التشوّق معتقي

سَقى اللَه أرضاً قد غدت لك منزلاً ..... بكلّ سكوب هاطل الوبل مغدقِ