إعلان

السبت، 10 سبتمبر 2016

بَيْنَ عَينيكَ مَصْرَعُ الْعُشَّاقِ

ومن شعر ابن عبد ربه الأندلسي في أيام شبابه:


ودَّعَتْنِيْ بزفرَةٍ واعْتِناقِ...
           ثمَّ نادتْ مَتى يكونُ التَّلاقِيْ؟

وَبَدَتْ لِيْ فأشرَقَ الصُّبحُ مِنها...
           بَيْنَ تِلك الْجُيوبِ وَالأطواقِ

يا سَقِيمَ الْجُفونِ مِن غيرِ سُقمٍ...
           بَيْنَ عَينيكَ مَصْرَعُ الْعُشَّاقِ

إنَّ يومَ الفِراقِ أفظعُ يومٍ...
           لَيْتَنِيْ مِتُّ قبْلَ يومِ الفِرَاق

يا مَنْ يَضِنُّ بصَوْتِ الطَّائِرِالْغرِدِ

ولإبن عبد ربه:

يا مَنْ يَضِنُّ بصَوْتِ الطَّائِرِالْغرِدِ...
         ما كُنتُ أحْسَبُ هذا الْبُخلَ في أحَدِ

لَو أنَّ أسْمَاعَ أهلِ الأرْضِ قاطِبةً...
         أصْغَتْ إلى الصَّوتِ لَمْ يَنْقُصْ وَلَمْ يَزِدِ

لَوْلا اتِّقَاْئِيْ شِهَاباً مِنْكَ يُحْرِقنِيْ...
         بنارِهِ لاستَرقتُ السَّمْعَ مِنْ بُعُدِ

لَوْ كان زِرْيَاْبُ حَيًّا ثُمَّ أُسْمِعَهُ...
         لَذابَ مِنْ حَسَدٍ أوْ ماتَ مِنْ كَمدِ


فلا تَضِنَّ على سَمْعِي تُقلِّدُهُ...
         صَوتاً يَجُولُ مَجالَ الرُّوحِ في الْجَسَدِ


أمَّا النَّبِيْذُ: فإنِّي لَسْتُ أشرَبُهُ...
         ولَسْتُ آتِيْكَ إلاّ كِسْرَتِيْ بِيَدِيْ


الْجِسْمُ في بَلَدٍ والرُّوْحُ في بَلَدِ

ولإبن عبد ربه:

الْجِسْمُ في بَلَدٍ والرُّوْحُ في بَلَدِ...
       يا وَحْشةَ الرُّوْحِ، بَلْ يا غُرْبَةَ الْجَسَدِ

إِنْ تَبْكِ عَيناكَ لِي يَا مَنْ كُلِفْتُ بهِ...
       مِنْ رَحْمَةٍ، فَهُمَاْ سَهْمَانِ فِيْ كَبِدِيْ

ألمْ ترَ أنّ الشّمس قد ضمّها القبرُ

قال ابن زيدون يرثي أبا الحزم بن جهور، ويمدح أبا الوليد بن جهور الذي تولى من بعده:

ألمْ ترَ أنّ الشّمس قد ضمّها القبرُ...
             وأنْ قَد كفانا، فقدنَا القمرَ، البَدرُ

وأنّ الحيَا، إنْ كان أقلع صوبُهُ...
             فَقَدْ فاض للآمالِ في إثْرهِ البحرُ

فلا يَتَهنّ الكَاشِحونَ، فما دَجا...
             لنَا اللّيلُ، إلاّ رَيْثما طلعَ الفجرُ

لعمرِي لنعمَ العلقُ أتلفَهُ الرّدى...
             فبانَ، ونعمَ العلقُ أخلفَهُ الدّهرُ

هَزَزْنَا بهِ الصّمصامَ، فالعزْمُ حَدُّهُ،...
             وحليتُهُ العليا، وإفرنْدُهُ البشرُ

فَتًى يَجْمَعُ المَجدَ المُفَرَّقَ هَمُّهُ،...
             وينظَمُ، في أخلاقه، السّودَدُ النّثرُ

أهابَتْ إلَيهِ بالقُلوبِ مَحبّة ٌ،...
         هيَ السِّحرُ للأهوَاء، بل دونها السّحرُ

سرتْ حيثُ لا تسرِي من الأنفسِ المُنى...
             ودَبّتْ دَبِيباً لَيسَ يُحسِنهُ الخَمرُ

لبسنا لدَيْهِ الأمنَ، تندى ظلالُهُ،...
             وزهرة َعيشٍ مثلَما أينعَ الزّهرُ

وعَادَتْ لَنا عاداتُ دُنيا، كأنّها...
             بها وسنٌ، أوْ هزّ أعطافَها سكرُ

مَلِيكٌ، لَهُ منّا النّصيحة ُ والهَوى...
             ومنهُ الأيادي البيضُ والنِّعمُ الخضرُ

نُسِرّ وَفاءً، حِينَ نُعلِنُ طاعَة ً،...
             فَما خانَهُ سِرٌّ، ولا رابَهُ جَهْرُ

فقُلْ للحَيارى : قد بدا علَمُ الهُدى ؛...
             وللطّامعِ المغرورِ: قد قضيَ الأمرُ

أبا الحزمِ! قد ذابَتْ عليكَ من الأسَى...
             قلوبٌ مُناها الصّبرُ، لو ساعدَ الصّبرُ

دَعِ الدّهرُ يَفجعْ بالذّخائرِ أهلَهُ،...
             فما لنفيسٍ، مذ طواكَ الرّدى ، قدرُ

تَهُونُ الرّزَايا بعَدُ، وهيَ جَلِيلَة ٌ؛...
             ويُعرَفُ، مُذْ فارَقْتَنَا، الحادثُ النُّكرُ

فقدْ ناكَ فِقْدانَ السّحابَة ، لم يَزلْ...
             لها أثرٌ يثني بهِ السّهلُ والوعرُ

مساعيكَ حليٌ لليّالي مرصَّعٌ؛...
             وذكْرُكَ، في أردانِ أيّامها، عطرُ

فلا تبعدَنْ ! إنّ المنيّة َ غاية ٌ،...
             إلَيها التّناهي طالَ، أوْ قَصُرَ، العُمْرُ

عَزَاءً، فدَتْكَ النّفسُ عنه، فإن ثوَى...
             فإنّك لا الواني، ولا الضَّرَعُ الغُمْرُ

ومَا الرّزْءُ في أن يودَع التُّرابَ هالكٌ،...
             بلِا لرّزْء كلّ الرّزْء أن يهلكَ الأجرُ

أمامَك، من حِفْظِ الإلَهِ، طَليعَة ٌ؛...
             وَحَوْلَكَ، من آلائِه، عَسكرٌ مَجرُ

ومَا بِكَ مِنْ فَقْرٍ إلى نَصْرِ نَاصرٍ،...
             كفَتكَ، مِنَ اللَّهِ، الكلاءة ُ وَالنّصرُ

لكَ الخيرُ، إنّي واثقٌ بكَ شاكرٌ...
             لمَثنى أياديكَ، التي كفرُها الكفرُ

تَحامَى العِدا، لمّا اعتَلَقْتُكَ، جانبي،...
             وقَالَ المُناوِي: شبّ عن طوْقه عَمرُو

يلينُ كلامٌ، كان يخشنُ منهمُ،...
             ويفتُرُ نحوِي ذلكَ النّظرُ الشّزرُ

فصَدّقُ طُنوناً لي وَفيّ، فإنّني...
             لأهْلُ اليَدِ البَيضاء مِنكَ، ولا فخرُ

ومنْ يكُ، للدّنيا وللوفْرِ، سعيُهُ،...
             فتقريبُكَ الدّنيا، وإقبالُكَ الوفْرُ

يَا بَاكِيًا فُرْقَةَ الأَحْبَابِ

قال ابن طفيل ( صاحب رسالة حي بن يقظان ):

يَا بَاكِيًا فُرْقَةَ الأَحْبَابِ عَنْ شَحَطٍ...
              هَلاَّ بَكَيْتَ فِرَاقَ الرُّوحِ لِلْبَدَنِ؟!

نُورٌ تَرَدَّدَ فِي طِـينٍ إِلَـى أَجَلٍ...
              فَانْحَازَ عُلْوًا وَخَلَّى الطِّيـنَ لِلْكَفَنِ

يَا شَدَّ مَا افْتَرَقَا مِنْ بَعْدَ مَا اعْتَلَقَا...
              أَظُنُّهَا هُدْنَةً كَانَتْ عَلَى دَخَنِ

إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي رِضَا اللهِ اجْتِمَاعُهُمَا...
              فَيَا لَهَا صَفْقَةً تَمَّتْ عَلَى غَبَنِ

ابن عبد ربه وكروية الأرض


قال ابن عبد ربه ( صاحب كتب العقد الفريد ) ينقد مسلماً الليثي المعروف بأبي عبيدة لما قال إن الأرض كروية:

أبا عبيدة َ ما المسؤولُ عن خبرٍ...
                  يحكيهِ إِلاَّ سُؤالاً للذي سألا

أبيتَ إِلاَّ شُذوذاً عن جماعتِنا...
           ولم يُصبْ رأيُ من أرجا ولا اعتزلا


وقلتَ : إنَّ جميعَ الخلقِ في فلكٍ...
                  بهمْ يحيطُ وفيهمْ يَقْسِمُ الأجَلا

والأرضُ كورِيَّة ٌ حفَّ السماءُ ...
                  قد صارَ بَينهما هذا وذا دُوَلا

فإنَّ كانون في صنعا وقُرطبة ٍ...
                  بردٌ، وأيلولُ يُذكي فيهما الشُّعَلا

هذا الدليلُ ولا قولٌ غُرِرتَ بهِ...
                  منَ القوانينِ يُجلي القولَ والعملا

كما استمرَّ ابنُ موسى في غوايتهِ...
                  فوعَّرَ السهلَ حتى خِلتَهُ جَبَلا

أَبلِغْ معاوية َ المُصغي لقولهِما...
                  أني كفرتُ بما قالا وما فعلا

أبو المخشي يصف عماه


خضعت أم بناتي للعدا ...
            إذ قضى الله بأمر فمضا

ورأت أعمى ضريراً إنما ...

            مشيه في الأرض لمسٌ بالعصا

فبكت وجداً وقالت قولةً ...

            وهي حدا حلقت مني المدا

ففؤادي فرحٌ من قولها ...

            ما من الأدواء أس العما

وإذا نال العمى ذا بصرٍ ...

            كان حياً مثل ميت قد نعا

وكان للناعم المسرور لم يك ...

            مسروراً إذا لاقى الردا

عانى بالقرب وهنا طرب ...

            بين لج في الحما

أبصرت مستبدلاً من طرفه ...

            فأنذا يسعى به حيث سعا

بالعصا إن لم يقده فإنه ...

            وسؤال الناس يمشي إن مشا

وإذا ركب دنوا كأن لهم ...

            هو حملاً في المهمة الخراف الصوا

لم يزل في كل مخشبي الردى ...

            يصطلي الحرب ويجتاب الدجا

امتطيناها سماناً بدناً ...

            فتركناها نضاءً بالفنا

وذريتي قد تجاورت بها ...

            مهمها فقراً إلى أهل الندا

قاصداً خير منافٍ كلها ...

            ومناف خيرٌ من فوق الثرا

غريبٌ بأرض المغربين أسيرُ


وقال عبد الجبار بن حمديس لما نكب المعتمد بن عباد ونفي إلى أغمات:

غريبٌ بأرض المغربين أسيرُ...
                سيبكي عليه منبر وسريرُ

إذا زال لم يسمع بطيب ذكره...
                ولم ير ذاك اللهو منه منير

وتندبه البيض الصوارم والقنا...
                وينهلُّ دمع بينهنَّ غزير

سيبكيه في زاهيه والزاهر الندى...
                وطلابه والعرف ثم نكير

إذا قيل في أغمات قد مات جوده...
                فما يرتجى بعد الممات نشور

مضى زمن والملك مستأنس به...
                وأصبح عنه اليوم وهو نفور

أذلّ بني ماء السماء زمانُهم...
                وذلَّ بني ماء الزمان كثير

برأي من الدهر المضلل فاسد...
                متى صلحت للصالحين دهور

فما ماؤها إلا بكاء عليهمُ...
                يفيض على الأكباد منه بحور

فيا ليت شعري هل أبيتن ليلة...
                أمامي وخلفي روضة وغدير

بمنبتة الزيتون مورثة العلى...
                تغني حمام أو ترنُّ طيور

بزاهرها السامي الذي جاهُ الحيا...
                تشير الثريا نحونا ونشير

ويلحظنا الزّاهي وسعد سعوده...
                غيورين والصب المحب غيور

تراه عسيراً لا يسيراً مناله...
                ألا كلّ ما شاء الإله يسير


بين المعتمد وابن زيدون

ورفع إلى المعتمد شعر يعرّض بأبي الوليد بن زيدون فيه:

يا أيها الملك العلي الأعظم ...

                اقطع وريدي كل باغٍ ينئم

[واحسم بسيفك داء كل منافقٍ ...

                يبدي الجميل وضد ذلك يكتم]

لا تتركن للناس موضع شبهةٍ ...

                واحزم فمثلك في العظائم يحزم

قد قال شاعر كندة فيما مضى ...

                بيتاً على مر الليالي يعلم

" لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ...

                حتى يراق على جوانبه الدم "

فلما سمعها المعتمد، عرف الغرض الذي إليه قصد، ووقع على ظهر الرقعة، بهذه القطعة، وهي من جيد نظامه، وحر كلامه :

كذبت مناكم صرحوا أو جمجموا ...

                الدين أمتن والمروة أكرم

خنتم ورمتم أن أخون وإنما ...

                حاولتم أن يستخف يلملم

وأردتم تضييق صدرٍ لم يضق ...

                والسمر في ثغر الصدور تحطم

وزحفتم بمحالكم لمجرب ...

                ما زال يثبت في المحال فيهزم

أنى رجوتم غدر من جربتم ...

                منه الوفاء وجور من لا يظلم

أنا ذاكم لا البغي يثمر غرسه ...
                عندي ولا مبنى الصنيعة يثلم

كفوا وإلا فارقبوا لي بطشةً ...

                يلقى السفيه بمثلها فيحلم

 ولأبي الوليد ابن زيدون على ذلك جواب شكرٍ من جملة قصيد، قال فيه :

قل للبغاة المنبضين قسيهم ...

                سترون من تصميه تلك الأسهم

أسررتم فرأى نجي غيوبكم ...

                شيحان مدلول عليه ملهم

ما كان حلم محمد ليحيله ...

                عن عهده دغل الضمير مذمم

فرق عوت فزأرت زأرة زاجرٍ ...

                راع الكليب بها السبنتى الضيغم

لي منك فليذب الحسود تلظياً ...

                لطف المكانة والمحل الأكرم

لم تلف صاغيتي لديك مضاعفةً ...

                كلا ولا ضاع اصطناعي الأقدم

بل أوسعت حفظاً وصدق رعاية ...

                ذمم موثقة العرى لا تفصم

فليخرقن الأرض شكر منجد ...

                مني تناقله المحافل متهم


الخميس، 8 سبتمبر 2016

إذا لم يكنْ مَعْنى حديثك لي يُدْرَى

قال أبو الحسن الششتري:


إِذا لم يكنْ مَعْنى حديثك لي يُدْرَى...
     فلا مُهْجْتيِ تُشْفىَ ولا كَبدي تُروَى

نَظرتُ فلم أنْظر سِواكَ أحبُّهُ...
     ولَولاكَ ما طَاَب الهَوى لِلَّذي يَهوى

ولَّما اجْتلاَك الفكرُ في خَلوة الرّضا...
     وغيّبت قال الناس ضَلت بي الاهْوا

لَعمرُك ما ضَلَّ المحبُّ وَما غَوى...
     ولكَّنهمْ لمَّا عمُوا أخطئوا الفتوى

ولو شَهدوا معنى جمَالِكَ مثْلما...
     شهدْتُ بعينِ القلبِ ما أنكروا الدَّعوى

خلعت عِذاري في هَواك وَمنْ يكنْ...
     خليعَ عِذارِ في الهوى سَرَّهُ النجوى

فما في الهْوى شكوىَ ولو مُزِّق الحَشَا...
     وَعارٌ على العُشاق في حُبِّكَ الشَّكوى

رثاء الأندلس - أبو البقاء الرندي

لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ...    
             فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ

هي الأيامُ كما شاهدتها دُولٌ...    
             مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ

وهذه الدار لا تُبقي على أحد...    
             ولا يدوم على حالٍ لها شان

يُمزق الدهر حتمًا كل سابغةٍ...    
             إذا نبت مشْرفيّاتٌ وخُرصانُ

وينتضي كلّ سيف للفناء ولوْ...    
             كان ابنَ ذي يزَن والغمدَ غُمدان

أين الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ...    
             وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ ؟

وأين ما شاده شدَّادُ في إرمٍ...    
             وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ ؟

وأين ما حازه قارون من ذهب...    
             وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ ؟

أتى على الكُل أمر لا مَرد له...    
             حتى قَضَوا فكأن القوم ما كانوا

وصار ما كان من مُلك ومن مَلِك...    
             كما حكى عن خيال الطّيفِ وسْنانُ

دارَ الزّمانُ على (دارا) وقاتِلِه...    
             وأمَّ كسرى فما آواه إيوانُ

كأنما الصَّعب لم يسْهُل له سببُ...    
             يومًا ولا مَلكَ الدُنيا سُليمانُ

فجائعُ الدهر أنواعٌ مُنوَّعة...    
             وللزمان مسرّاتٌ وأحزانُ

وللحوادث سُلوان يسهلها...    
             وما لما حلّ بالإسلام سُلوانُ

دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له...    
             هوى له أُحدٌ وانهدْ ثهلانُ

أصابها العينُ في الإسلام فامتحنتْ...    
             حتى خَلت منه أقطارٌ وبُلدانُ

فاسأل (بلنسيةً) ما شأنُ (مُرسيةً)...    
             وأينَ (شاطبةٌ) أمْ أينَ (جَيَّانُ)

وأين (قُرطبة)ٌ دارُ العلوم فكم...    
             من عالمٍ قد سما فيها له شانُ

وأين (حْمص)ُ وما تحويه من نزهٍ...    
             ونهرهُا العَذبُ فياضٌ وملآنُ

قواعدٌ كنَّ أركانَ البلاد فما...    
             عسى البقاءُ إذا لم تبقَ أركانُ

تبكي الحنيفيةَ البيضاءُ من ! ;أسفٍ...    
             كما بكى لفراق الإلفِ هيمانُ

على ديار من الإسلام خالية...    
             قد أقفرت ولها بالكفر عُمرانُ

حيث المساجد قد صارت كنائسَ ما...    
             فيهنَّ إلا نواقيسٌ وصُلبانُ

حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ...    
             حتى المنابرُ ترثي وهي عيدانُ

يا غافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ...    
             إن كنت في سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ

وماشيًا مرحًا يلهيه موطنهُ...    
             أبعد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ ؟

تلك المصيبةُ أنستْ ما تقدمها ...    
             وما لها مع طولَ الدهرِ نسيانُ

يا راكبين عتاق الخيلِ ضامرةً ...    
             كأنها في مجال السبقِ عقبانُ

وحاملين سيُوفَ الهندِ مرهفةُ...    
             كأنها في ظلام النقع نيرانُ

وراتعين وراء البحر في دعةٍ...    
             لهم بأوطانهم عزٌّ وسلطانُ

أعندكم نبأ من أهل أندلسٍ ...    
             فقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ ؟

كم يستغيث بنا المستضعفون وهم...    
             قتلى وأسرى فما يهتز إنسان ؟

ماذا التقاُطع في الإسلام بينكمُ...    
             وأنتمْ يا عبادَ الله إخوانُ ؟

ألا نفوسٌ أبياتٌ لها هممٌ...    
             أما على الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ

يا من لذلةِ قومٍ بعدَ عزِّهمُ...    
             أحال حالهمْ جورُ وطُغيانُ

بالأمس كانوا ملوكًا في منازلهم...    
             واليومَ هم في بلاد الكفرِّ عُبدانُ

فلو تراهم حيارى لا دليل لهمْ...    
             عليهمُ من ثيابِ الذلِ ألوانُ

ولو رأيتَ بكاهُم عندَ بيعهمُ...    
             لهالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ

يا ربَّ أمّ وطفلٍ حيلَ بينهما...    
             كما تفرقَ أرواحٌ وأبدانُ

وطفلةً مثل حسنِ الشمسِ إذ طلعت...    
             كأنما هي ياقوتٌ ومرجانُ

يقودُها العلجُ للمكروه مكرهةً...    
             والعينُ باكيةُ والقلبُ حيرانُ

لمثل هذا يذوب القلبُ من كمدٍ...    
             إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ

يا سالب القلب


قال أبو البقاء الرندي:

يا سالب القلب منـي عندما رمقـا...
         لم يبق حبـك لي صبـرا ولا رمقـا


لا تسأل اليوم عما كابدت كبـدي...
         ليت الفراق وليت الحـب ما خلقـا


ما باختيـاري ذقت الحـب ثانيـة...
         وإنمـا جـارت الأقـدار فـاتفقـا


وكنت في كلفي الداعـي إلى تلفـي...
         مثل الفراش أحـب النـار فاحترقـا


يا مـن تجلـى إلى سـري فصيرنـي...
         دكا وهـز فـؤادي عنـدما صعقـا


انظـر إلي فـإن النفـس قد تلفـت...
      رفقا على الروح إن الروح قد زهقا

أبو إسحاق الألبيري - تفت فؤادك الأيام

قال أبو اسحاق الألبيري يوصي ولده أبا بكر بالإنشغال في طلب العلم:

 
تَفُتُّ فُؤادَكَ الأَيّامُ فَتّا
         وَتَنحِتُ جِسمَكَ الساعاتُ نَحتا


وَتَدعوكَ المَنونُ دُعاءَ صِدقٍ    
         أَلا يا صاحِ أَنتَ أُريدُ أَنتا


أَراكَ تُحِبُّ عِرساً ذاتَ غَدرٍ    
         أَبَتَّ طَلاقَها الأَكياسُ بَتّا


تَنامُ الدَهرَ وَيحَكَ في غَطيطٍ    
         بِها حَتّى إِذا مِتَّ اِنتَبَهنا


فَكَم ذا أَنتَ مَخدوعٌ وَحَتّى    
         مَتى لا تَرعَوي عَنها وَحَتّى


أَبا بَكرٍ دَعَوتُكَ لَو أَجَبتا    
         إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا


إِلى عِلمٍ تَكونُ بِهِ إِماماً    
         مُطاعاً إِن نَهَيتَ وَإِن أَمَرتا


وَتَجلو ما بِعَينِكَ مِن عَشاها    
         وَتَهديكَ السَبيلَ إِذا ضَلَلتا


وَتَحمِلُ مِنهُ في ناديكَ تاجاً    
         وَيَكسوكَ الجَمالَ إِذا اِغتَرَبتا


يَنالُكَ نَفعُهُ مادُمتَ حَيّاً    
         وَيَبقى ذُخرُهُ لَكَ إِن ذَهَبتا


هُوَ العَضبُ المُهَنَّدُ لَيسَ يَنبو    
         تُصيبُ بِهِ مَقاتِلَ ضَرَبتا


وَكَنزاً لا تَخافُ عَلَيهِ لِصّاً    
         خَفيفَ الحَملِ يوجَدُ حَيثُ كُنتا


يَزيدُ بِكَثرَةِ الإِنفاقِ مِنهُ    
         وَينقُصُ أَن بِهِ كَفّاً شَدَدتا


فَلَو قَد ذُقتَ مِن حَلواهُ طَعماً    
         لَآثَرتَ التَعَلُّمَ وَاِجتَهَدتا


وَلَم يَشغَلَكَ عَنهُ هَوى مُطاعٌ    
         وَلا دُنيا بِزُخرُفِها فُتِنتا


وَلا أَلهاكَ عَنهُ أَنيقُ رَوضٍ    
         وَلا خِدرٌ بِرَبرَبِهِ كَلِفتا


فَقوتُ الروحِ أَرواحُ المَعاني    
         وَلَيسَ بِأَن طَعِمتَ وَأِن شَرِبتا


فَواظِبهُ وَخُذ بِالجِدِّ فيهِ    
         فَإِن أَعطاكَهُ اللَهُ أَخَذتا


وَإِن أوتيتَ فيهِ طَويلَ باعٍ    
         وَقالَ الناسُ إِنَّكَ قَد سَبَقتا


فَلا تَأمَن سُؤالَ اللَهِ عَنهُ    
         بِتَوبيخٍ عَلِمتَ فَهَل عَمِلتا


فَرَأسُ العِلمِ تَقوى اللَهِ حَقّا    
         وَلَيسَ بِأَن يُقال لَقَد رَأَستا


وَضافي ثَوبِكَ الإِحسانُ لا أَن    
         تُرى ثَوبَ الإِساءَةِ قَد لَبِستا


إِذا ما لَم يُفِدكَ العِلمُ خَيراً    
         فَخَيرٌ مِنهُ أَن لَو قَد جَهِلتا


وَإِن أَلقاكَ فَهمُكَ في مَهاوٍ    
         فَلَيتَكَ ثُمَّ لَيتَكَ ما فَهِمتا


سَتَجني مِن ثِمارِ العَجزِ جَهلاً    
         وَتَصغُرُ في العُيونِ إِذا كَبُرتا


وَتُفقَدُ إِن جَهِلتَ وَأَنتَ باقٍ    
         وَتوجَدُ إِن عَلِمتَ وَقَد فُقِدتا


وَتَذكُرُ قَولَتي لَكَ بَعدَ حينٍ    
         وَتَغبِطُها إِذا عَنها شُغِلتا


لَسَوفَ تَعَضُّ مِن نَدَمٍ عَلَيها    
         وَما تُغني النَدامَةُ إِن نَدِمتا


إِذا أَبصَرتَ صَحبَكَ في سَماءٍ    
         قَد اِرتَفَعوا عَلَيكَ وَقَد سَفَلتا


فَراجِعها وَدَع عَنكَ الهُوَينى    
         فَما بِالبُطءِ تُدرِكُ ما طَلَبتا


وَلا تَحفِل بِمالِكَ وَاِلهُ عَنهُ    
         فَلَيسَ المالُ إِلّا ما عَلِمتا


وَلَيسَ لِجاهِلٍ في الناسِ مَعنىً    
         وَلَو مُلكُ العِراقِ لَهُ تَأَتّى


سَيَنطِقُ عَنكَ عِلمُكَ في نَدِيٍّ    
         وَيُكتَبُ عَنكَ يَوماً إِن كَتَبتا


وَما يُغنيكَ تَشيِيدُ المَباني    
         إِذا بِالجَهلِ نَفسَكَ قَد هَدَمتا


جَعَلتَ المالَ فَوقَ العِلمِ جَهلاً    
         لَعَمرُكَ في القَضيَّةِ ماعَدَلتا


وَبَينَهُما بِنَصِّ الوَحيِ بَونٌ    
         سَتَعلَمُهُ إِذا طَهَ قَرَأتا


لَئِن رَفَعَ الغَنيُّ لِواءَ مالٍ    
         لَأَنتَ لِواءَ عِلمِكَ قَد رَفَعتا


وَإِن جَلَسَ الغَنيُّ عَلى الحَشايا    
         لَأَنتَ عَلى الكَواكِبِ قَد جَلَستا


وَإِن رَكِبَ الجِيادَ مُسَوَّماتٍ    
         لَأَنتَ مَناهِجَ التَقوى رَكِبتا


وَمَهما اِفتَضَّ أَبكارَ الغَواني    
         فَكَم بِكرٍ مِنَ الحِكَمِ اِفتَضَضتا


وَلَيسَ يَضُرُّكَ الإِقتارُ شَيئاً    
         إِذا ما أَنتَ رَبَّكَ قَد عَرَفتا


فَما عِندَهُ لَكَ مِن جَميلٍ    
         إِذا بِفِناءِ طاعَتِهِ أَنَختا


فَقابِل بِالقَبولِ صَحيحَ نُصحي    
         فَإِن أَعرَضتَ عَنهُ فَقَد خَسِرتا


وَإِن راعَيتَهُ قَولاً وَفِعلاً    
         وَتاجَرتَ الإِلَهَ بِهِ رَبِحتا


فَلَيسَت هَذِهِ الدُنيا بِشَيءٍ    
         تَسوؤُكَ حُقبَةً وَتَسُرُّ وَقتا


وَغايَتُها إِذا فَكَرَّت فيها    
         كَفَيئِكَ أَو كَحُلمِكَ إِن حَلَمتا


سُجِنتَ بِها وَأَنتَ لَها مُحِبٌّ    
         فَكَيفَ تُحِبُّ ما فيهِ سُجِنتا


وَتُطعِمُكَ الطَعامَ وَعَن قَريبٍ    
         سَتَطعَمُ مِنكَ ما مِنها طَعِمتا


وَتَعرى إِن لَبِستَ لَها ثِياباً    
         وَتُكسى إِن مَلابِسَها خَلَعتا


وَتَشهَدُ كُلَّ يَومٍ دَفنَ خِلٍّ    
         كَأَنَّكَ لا تُرادُ بِما شَهِدتا


وَلَم تُخلَق لِتَعمُرها وَلَكِن    
         لِتَعبُرَها فَجِدَّ لِما خُلِقتا


وَإِن هُدِمَت فَزِدها أَنتَ هَدماً    
         وَحَصِّن أَمرَ دينِكَ ما اِستَطَعتا


وَلا تَحزَن عَلى ما فاتَ مِنها    
         إِذا ما أَنتَ في أُخراكَ فُزتا


فَلَيسَ بِنافِعٍ ما نِلتَ فيها    
         مِنَ الفاني إِذا الباقي حُرِمتا


وَلا تَضحَك مَعَ السُفَهاءِ لَهواً    
         فَإِنَّكَ سَوفَ تَبكي إِن ضَحِكتا


وَكَيفَ لَكَ السُرورُ وَأَنتَ رَهنٌ    
         وَلا تَدري أَتُفدى أَم غَلِقتا


وَسَل مِن رَبِّكَ التَوفيقَ فيها    
         وَأَخلِص في السُؤالِ إِذا سَأَلتا


وَنادِ إِذا سَجَدتَ لَهُ اِعتِرافاً    
         بِما ناداهُ ذو النونِ بنُ مَتّى


وَلازِم بابَهُ قَرعاً عَساهُ    
         سَيفتَحُ بابَهُ لَكَ إِن قَرَعتا


وَأَكثِر ذِكرَهُ في الأَرضِ دَأباً    
         لِتُذكَرَ في السَماءِ إِذا ذَكَرتا


وَلا تَقُل الصِبا فيهِ مَجالٌ    
         وَفَكِّر كَم صَغيرٍ قَد دَفَنتا


وَقُل لي يا نَصيحُ لَأَنتَ أَولى    
         بِنُصحِكَ لَو بِعَقلِكَ قَد نَظَرتا


تُقَطِّعُني عَلى التَفريطِ لَوماً    
         وَبِالتَفريطِ دَهرَكَ قَد قَطَعتا


وَفي صِغَري تُخَوِّفُني المَنايا    
         وَما تَجري بِبالِكَ حينَ شِختا


وَكُنتَ مَعَ الصِبا أَهدى سَبيلاً    
         فَما لَكَ بَعدَ شَيبِكَ قَد نُكِستا


وَها أَنا لَم أَخُض بَحرَ الخَطايا    
         كَما قَد خُضتَهُ حَتّى غَرِقتا


وَلَم أَشرَب حُمَيّاً أُمِّ دَفرٍ    
         وَأَنتَ شَرِبتَها حَتّى سَكِرتا


وَلَم أَحلُل بِوادٍ فيهِ ظُلمٌ    
         وَأَنتَ حَلَلتَ فيهِ وَاِنهَمَلتا


وَلَم أَنشَأ بِعَصرٍ فيهِ نَفعٌ    
         وَأَنتَ نَشَأتَ فيهِ وَما اِنتَفَعتا


وَقَد صاحَبتَ أَعلاماً كِباراً    
         وَلَم أَرَكَ اِقتَدَيتَ بِمَن صَحِبتا


وَناداكَ الكِتابُ فَلَم تُجِبهُ    
         وَنَهنَهَكَ المَشيبُ فَما اِنتَبَهتا


لَيَقبُحُ بِالفَتى فِعلُ التَصابي    
         وَأَقبَحُ مِنهُ شَيخٌ قَد تَفَتّى


فَأَنتَ أَحَقُّ بِالتَفنيدِ مِنّي    
         وَلو سَكَتَ المُسيءُ لَما نَطَقتا


وَنَفسَكَ ذُمَّ لا تَذمُم سِواها    
         بِعَيبٍ فَهِيَ أَجدَرُ مَن ذَمَمتا


فَلَو بَكَت الدَما عَيناكَ خَوفاً    
         لِذَنبِكَ لَم أَقُل لَكَ قَد أَمِنتا


وَمَن لَكَ بِالأَمانِ وَأَنتَ عَبدٌ    
         أُمِرتَ فَما اِئتَمَرتَ وَلا أَطَعتا


ثَقُلتَ مِنَ الذُنوبِ وَلَستَ تَخشى    
         لِجَهلِكَ أَن تَخِفَّ إِذا وُزِنتا


وَتُشفِقُ لِلمُصِرِّ عَلى المَعاصي    
         وَتَرحَمُهُ وَنَفسَكَ ما رَحِمتا


رَجَعتَ القَهقَرى وَخَبَطتَ عَشوا    
         لَعَمرُكَ لَو وَصَلتَ لَما رَجَعتا


وَلَو وافَيتَ رَبَّكَ دونَ ذَنبٍ    
         وَناقَشَكَ الحِسابَ إِذاً هَلَكتا


وَلَم يَظلُمكَ في عَمَلٍ وَلَكِن    
         عَسيرٌ أَن تَقومَ بِما حَمَلتا


وَلَو قَد جِئتَ يَومَ الفَصلِ فَرداً    
         وَأَبصَرتَ المَنازِلَ فيهِ شَتّى


لَأَعظَمتَ النَدامَةَ فيهِ لَهَفاً    
         عَلى ما في حَياتِكَ قَد أَضَعتا


تَفِرُّ مِنَ الهَجيرِ وَتَتَّقيهِ    
         فَهَلّا عَن جَهَنَّمَ قَد فَرَرتا


وَلَستَ تُطيقُ أَهوَنَها عَذاباً    
         وَلَو كُنتَ الحَديدَ بِها لَذُبتا


فَلا تُكذَب فَإِنَّ الأَمرَ جِدٌّ    
         وَلَيسَ كَما اِحتَسَبتَ وَلا ظَنَنتا


أَبا بَكرٍ كَشَفتَ أَقَلَّ عَيبي    
         وَأَكثَرَهُ وَمُعظَمَهُ سَتَرتا


فَقُل ما شِئتَ فيَّ مِنَ المَخازي    
         وَضاعِفها فَإِنَّكَ قَد صَدَقتا


وَمَهما عِبتَني فَلِفَرطِ عِلمي    
         بِباطِنَتي كَأَنَّكَ قَد مَدَحتا


فَلا تَرضَ المَعايِبَ فَهِيَ عارٌ    
         عَظيمٌ يُورِثُ الإِنسانَ مَقتا


وَتَهوي بِالوَجيهِ مِنَ الثُرَيّا    
         وَتُبدِلُهُ مَكانَ الفَوقِ تَحتا


كَما الطاعاتُ تَنعَلُكَ الدَراري    
         وَتَجعَلُكَ القَريبَ وَإِن بَعُدتا


وَتَنشُرُ عَنكَ في الدُنيا جَميلاً    
         فَتُلفى البَرَّ فيها حَيثُ كُنتا


وَتَمشي في مَناكِبَها كَريماً    
         وَتَجني الحَمدَ مِمّا قَد غَرَستا


وَأَنتَ الآن لَم تُعرَف بِعابٍ    
         وَلا دَنَّستَ ثَوبَكَ مُذ نَشَأتا


وَلا سابَقتَ في ميدانِ زورٍ    
         وَلا أَوضَعتَ فيهِ وَلا خَبَبتا


فَإِن لَم تَنأَ عَنهُ نَشِبتَ فيهِ    
         وَمَن لَكَ بِالخَلاصِ إِذا نَشِبتا


وَدَنَّسَ ما تَطَهَّرَ مِنكَ حَتّى    
         كأَنَّكَ قَبلَ ذَلِكَ ما طَهُرتا


وَصِرتَ أَسيرَ ذَنبِكَ في وَثاقٍ    
         وَكَيفَ لَكَ الفُكاكُ وَقَد أُسِرتا


وَخَف أَبناء جِنسِكَ وَاِخشَ مِنهُم    
         كَما تَخشى الضَراغِمَ وَالسَبَنتى


وَخالِطهُم وَزايلهُم حِذاراً    
         وَكُن كالسامِريَّ إِذا لَمِستا


وَإِن جَهِلوا عَلَيكَ فَقُل سَلاماً    
         لَعَلَّكَ سَوفَ تَسلَمُ إِن فَعَلتا


وَمَن لَكَ بِالسَلامَةِ في زَمانٍ    
         يَنالُ العُصمَ إِلّا إِن عُصِمتا


وَلا تَلَبَث بِحَيٍّ فيهِ ضَيمٌ    
         يُميتُ القَلبَ إِلا إِن كُبِّلتا


وَغَرِّب فَالغَريبُ لَهُ نَفاقٌ    
         وَشَرِّق إِن بَريقَكَ قَد شَرِقتا


وَلَو فَوقَ الأَميرِ تَكونُ فيها    
         سُمُوّاً وَاِفتِخاراً كُنتَ أَنتا


وَإِن فَرَّقتَها وَخَرَجتَ مِنها    
         إِلى دارِ السَلامِ فَقدَ سَلِمتا


وَإِن كَرَّمتَها وَنَظَرتَ مِنها    
         بِإِجلالٍ فَنَفسَكَ قَد أَهَنتا


جَمَعتُ لَكَ النَصائِحَ فَاِمتَثِلها    
         حَياتَكَ فَهِيَ أَفضَلُ ما اِمتَثَلتا


وَطَوَّلتُ العِتابَ وَزِدتُ فيهِ    
         لِأَنَّكَ في البَطالَةِ قَد أَطَلتا


فَلا تَأخُذ بِتَقصيري وَسَهوي    
         وَخُذ بِوَصِيَّتي لَكَ إِن رَشَدتا


وَقَد أَردَفتُها سِتّاً حِساناً    
         وَكانَت قَبلَ ذا مِئَةً وَسِتّا