إعلان

السبت، 3 سبتمبر 2016

ابن جاخ


من حكايات المعتضد بن عباد ما ذكره غير واحد أن ابن جاخ الشاعر ورد على حضرته، فدخل الدار المخصوصة بالشعراء، فسألوه، فقال: إني شاعر، فقالوا: أنشدنا من شعرك فقال :

إني قصدت إليك ياعبادي...
                    قصد القليق بالجري للوادي


فضحكوا منه وازدروه، فقال بعض عقلائهم: دعوه فإن هذا شاعر، وما يبعد أن يدخل مع الشعراء ويندرج في سلكهم فلم يبالوا بكلام الرجل وتنادروا عليه فبقي معهم وكان لهم في تلك الدولة يوم مخصوص لا يدخل فيه على الملك غيرهم وربما كان يوم الاثنين فقال بعضهم لبعض: هذه شنيعة بنا أن يكون مثل هذا البادي يقدم علينا، ويجترئ على الدخول معنا، فاتفقوا على أن يكون هو أول متكلم في اليوم المخصوص بهم عند جلوس السلطان، وقد رأوا أن يقول مثل ذلك الشعر المضحك فيطرده عنهم، ويكون ذلك حسماً لعلة إقدام مثله عليهم، فلما كان اليوم المذكور وقعد السلطان في مجلسه ونصب الكرسي لهم، رغبوا منه أن يكون هذا القادم أول متكلم في ذلك اليوم، فأمر بذلك، فصعد الكرسي وانتظروا أن ينشد مثل الشعر المضحك المتقدم فقال :

قطعت يا يوم النوى أكبادي...
          وحرمت عن عيني لذيذ رقادي

وتركتني أرعى النجوم مسهدا
...
          والنار تضرم في صميم فؤادي

فكأنما آلا الظلام أليَّة
...
          لا ينجلي إلا إلى ميعاد

يا بَيْنُ بَيِّنْ أين تقتاد النوى
...
          أبل الذين تحملوا بسعاد

ولرب خرق قد قطعت نياطه
...
          والليل يرفل في ثياب حداد

بِشِمِلَّةٍ حرفٍ كأن ذميلها 
...
          سرح الرياح وكل برق غادي

والنجم يحدوها وقد ناديتها
...
          يا ناقتي عوجي على عباد

ملك إذا ما أضرمت نار الوغى
...
          وتلاقت الأجناد بالأجناد

فترى الجسوم بلا رؤوس تنثني
...
          وترى الرؤوس لقي بلا أجساد

يأيها الملك المؤمل والذي 
...
          قدما ًسما شرفا على الأنداد

إن القريض لكاسد في أرضنا
...
          وله هنا سوق بغير كساد

فجلبت من شعري إليك قوافيا
...
          يفنى الزمان وذكرها متمادي

من شاعر لم يضطلع أدباً ولا
...
          خطت يداه صحيفة بمداد
فقال له الملك: أنت ابن جاخ؟ فقال: نعم، فقال: اجلس قد وليتك رئاسة الشعراء، وأحسن إليه ولم يأذن في الكلام في ذلك اليوم لأحد من بعده.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق